[الأدلة على أن القرآن كلام الله]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:٤٢]، {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:٨٨]، وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: {لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ} [سبأ:٣١]، وقال بعضهم: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:٢٥]، فقال الله: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:٢٦]، وقال بعضهم: هو شعر، فقال الله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس:٦٩].
فلما نفى الله عنه أنه شعر وأثبته قرآناً؛ لم يبق شبهة لذي لب في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو حروف وكلمات وآيات؛ لأن ما ليس كذلك لا يقول أحد: إنه شعر، وقال عز وجل: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:٢٣]، ولا يجوز أن يتحداهم بالإتيان بمثل ما لا يدرى ما هو ولا يعقل، وقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس:١٥]، فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم.
وقال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت:٤٩]، وقال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة:٧٧ - ٧٨]، بعد أن أقسم على ذلك وقال: {كهيعص} [مريم:١] {حم * عسق} [الشورى:١ - ٢]، وافتتح تسعاً وعشرون سورة بالحروف المقطعة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن فأعربه؛ فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه؛ فله بكل حرف حسنة)، حديث صحيح].
في هذا المقطع أراد أن يقيم الحجة والأدلة على أن القرآن كلام الله عز وجل، فأولاً في الآية الأولى قوله عز وجل: {تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:٤٢] يفيد أن القرآن بل نقطع به أن القرآن منزل: {تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:٤٢]، يعني: من الله عز وجل.
والآية التي بعدها: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء:٨٨]، وهذا فيه دلالة قاطعة على أنه ليس من فعل المخلوقات، لأنه لو كان من فعل المخلوقات أو من قولهم؛ لأمكنهم أن يأتوا بمثله، ولو على جهة الافتراض.
وعندما قال الكافرون: {لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ} [سبأ:٣١]، وقال بعضهم: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:٢٥] قال الله عز وجل: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:٢٦]، أي: الذي قال بأن القرآن قول بشر، والذي قال هذا القول هو أحد أقطاب الجاهلية الذين تصدوا لهذا الدين، وللنبي صلى الله عليه وسلم بالإنكار والتكذيب، وكان من ضمن مقولاته: إن هذا الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم قول بشر، كما قالت المعتزلة والجهمية: هو قول البشر لأنهم زعموا أنه كلام مخلوق.
فالله عز وجل توعد من قال بأنه قول البشر بأن الله سيصليه سقر، وهي النار، بمعنى أنه قال قولاً عظيماً أوجب أن يتوعد بهذا الوعيد.
كذلك الآية التي بعدها، فإن المشركين لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم بأمر لم يعهدوه في كلامهم؛ قالوا: هذا شعر الشعراء، فذكر الله عز وجل لهم بأنه لا يليق أن يقوله الشعراء؛ لأنه ذكر من الله عز وجل وقرآن مبين، بمعنى مبيِّن، وبين الله عز وجل أنه لم يعلم نبيه الشعر، إذاً هو ليس بشعر، والشعر هو أعلى درجات الكلام عند العرب الذين هم أبلغ الناس، فإذا كان الله عز وجل نفى أن يكون هذا القرآن شعراً من قول البشر؛ فأولى ألا يكون نثراً من فعل البشر، إذاً هو ليس من كلام الشعراء، إنما هو كلام الله عز وجل.
ثم إن الله عز وجل تحدى المشركين أن يأتوا بسورة من مثله، والمشركون توافرت عندهم الأسباب لأن يأتوا بمثله لو كان من قول البشر لا سيما أن هممهم توافرت، فأولاً عندهم من الفصحاء والشعراء والبلغاء العدد الكبير الوفير.
والأمر الثاني: أنهم شعروا بالتحدي الكبير، والتحدي غالباً يستثير المواهب والقدرات في البشر، فإنهم شعروا بتحد عظيم من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذا الوحي الذي أنزله ا