هذا أيضاً أصل عظيم جهله كثير من مثقفي الأمة اليوم، وأكثر طلاب العلم خاصة في البلاد التي سلمت من البدع كبلادنا لا يوجد منهم من ينظر في كتب البدع إلا نادراً ولضرورة، لكن هناك طائفة أخرى مخضرمة وهي طائفة المثقفين وما أكثرهم، هؤلاء يقرءون مما هب ودب، بل أكاد أقول: إن قراءتهم في كتب البدع والأهواء والكلام والفكر الحديث المنحرف عن أهل السنة أكثر من قراءتهم في الكتب الشرعية، حتى من كانت عنده عواطف شرعية وعواطف إسلامية، فأغلب قراءتهم في كتب البدع والنظر فيها وهم لا يشعرون، ويظنون أنهم يتلقون ديناً وفكراً إسلامياً وهذا أمر يحتاج أن ينبته له طلاب العلم.
طالب العلم ينبغي أن يقتصر في سنين الدراسة على كتب العلم الشرعية، وليحذر أن يقرأ شيئاً من كتب الأهواء والبدع، أو كتب الثقافة غير المأمونة، فإذا استوى واشتد وشهد له مشايخه وأجازوه فلا مانع أن يقرأ في كتب الأهواء بشرط أن يكون لقراءته فائدة معلومة، ليس لمجرد الاستطلاع أو استظهار معلومات جديدة، ولكن لفائدة معلومة محددة يريد أن يصل إليها، كرد بدعة، أو الرد على شبهة، أو لمحاولة تقرير أصل من الأصول، أو نحو ذلك مما فيه فائدة للإسلام والمسلمين، أما ما عدا ذلك فليحذر طلاب العلم من الوقوع في كتب البدع؛ لأنها تستهوي ولذلك نجد غالب عشاق القراءة من المثقفين الذين لم يطلبوا العلم الشرعي على العلماء تستهويهم كتب البدع، ويتلذذون بها، ويشعرون بنشوة عند قراءتها.
وكتب البدع في وقتنا أكثر من مجرد كتب الفرق في الماضي، من كتب البدع: كتب الفرق المعلومة كتب الجهمية، والمعتزلة، والخوارج، والرافضة، لكن من كتب البدع الآن ما قد يخفى على كثير من طلاب العلم فضلاً عن غيرهم، فأكثر ما يسمى بكتب الفكر الإسلامي كتب أهواء وبدع، وأكثر ما يسمى بكتب الثقافة الإسلامية التي انتشرت الآن تدخل في كتب البدع، وأكثر الدراسات والمؤلفات حول الأدب والتاريخ والعلوم الإنسانية إما كتب بدع أو تسير على نهج أهل البدع، ويستثنى القليل من ذلك، لكن هذا القليل لا يعرفه إلا طلاب العلم الخُلّص.
بمعنى أنه ليس كل من حمل راية الثقافة أو حصل على الشهادة أو على كذا من الألقاب نركن إليه في ديننا ونطمئن إلى مشورته، فيما نقرأ وما نترك؟ بل الغالب أن هذا النوع يحتاج إلى توجيه، ولو بلغ الستين والسبعين وما فوق ذلك من عمره، كما يحتاج صبياننا في الكتاتيب.