ففي الحشر يُبعثون من قبورهم ويتجهون كلهم إلى المحشر، فيجتمعون في مكان واحد وفي صعيد واحد، وهو قاع صفصف لا ترى فيه عوجاً ولا أمتاً، ليس فيه مرتفع ولا منخفض، ثم يُحشرون مدة طويلة، ويسمى هذا الحشر الموقف، يُحشرون خمسمائة عام وقيل ألف عام.
وفي الحشر يحدث لهم من أهوال يوم القيامة ما لا يطاق، فتدنو منهم الشمس حتى تكون فوق رءوسهم، ويلجمهم العرق، ويضيقون بالحشر من طول مدته، لكن يتفاوت الحشر بين الناس، فالمؤمنون لا يشعرون بهوله كما يشعر الكفار وإن كان المؤمنون أيضاً يتفاوتون، ومنهم من يكون في ذلك الوقت في ظل الله عز وجل يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم من لا يشعر بأهوال الحشر فيروى ويُسقى ويُطعم ويُظل بفضل الله عز وجل نسأل الله أن يجعلنا جميعاً كذلك، ومن المؤمنين من يشعر بالحشر، فهم على درجات، فالمقصر يشعر به أكثر، والإنسان الذي يعمل أكثر يشعر بشيء من الراحة، أما الكافر والمنافق فهو الذي يُعاني شدة الحشر، والجميع يعانون من ذلك.
ففي الحشر يُحشر الناس زمناً طويلاً ولا يجرئون أن يدعوا ربهم بأن يفصل بينهم لأنهم يرون الله عز وجل في ذلك المقام وقد غضب غضباً لم يغضب مثله قبله ولن يغضب مثله بعده، فيبحثون عمن يشفع لهم أمام الله عز وجل، فيذهبون كما هو معلوم إلى آدم فيعتذر وإلى نوح فيعتذر، وإلى إبراهيم، وإلى موسى، وإلى عيسى كلهم يعتذرون إلا أن عيسى يقول لهم: اذهبوا إلى محمد؛ فإنه عبد قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتي العباد جميعاً إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيطلبون منه الشفاعة عند الله عز وجل، فيقول: أنا لها، فيأتي فيسجد تحت العرش سجوداً طويلاً ويلهمه الله عز وجل من المحامد ما لم يكن يعرفه من قبل، فيقول البارئ عز وجل: يا محمد ارفع رأسك، وسل تُعط، واشفع تشفّع، ثم يطلب الشفاعة من الله عز وجل فيفصل الله بين الخلائق، فمن هنا يبدأ الحساب، والحساب هو مناقشة كل إنسان بمفرده يكلمه الله عز وجل بواحاً ليس بينه وبينه حجاب، ويحاسب الخلائق جميعاً حساب رجل واحد، وكل إنسان يظن أن الله لم يحاسب غيره في ذلك الوقت، فيناقشه الحساب.