[موقف طالب العلم من الخلاف بين العلماء]
هذه مسألة أيضاً بحمد الله محسومة عند أهل العلم، والخلاف على درجات، ويهمني ما يتعلق بنوع المخالف، فالأصل في الخلاف أنه إذا كان هناك اجتهاد سائغ من إنسان مستقيم على السنة أنه لا يؤدي إلى التباغض ولا إلى التعادي ولا إلى التحاسد ولا إلى التنافر ولا إلى البراء، أما إذا كان المخالف صاحب بدعة سواء كانت مخالفته صغيرة أو كبيرة فيجب أن يجتنب لمخالفته وأن يحذر منها.
فمن باب أولى أن يكون الخلاف من العلماء أمراً تتسع له صدور الأمة، والعلماء لابد أن يختلفوا، والصحابة قد اختلفوا، ومن جاء بعدهم اختلفوا لكن لم يتنازعوا في الدين، بمعنى أن الخلاف لم يوصلهم إلى التباغض أو إلى شيء من الافتراق والخروج عن الجماعة، وإعلان البراء من بعضهم، وإعلان العداء بين الأمة أو بينهم وبين الآخرين، فهذا لم يحصل بين علماء الأمة المعتبرين من أهل السنة والجماعة قديماً وحديثاً، نعم قد يرد بعضهم على بعض وقد يرد بعضهم قول بعض لكن لا يصل الأمر عندهم إلى المنازعة في الدين.
وهكذا يجب أن يكون المسلمون عموماً وطلاب العلم على وجه الخصوص، والشباب بصفة أخص، هكذا يجب أن يقفوا من الخلاف الحاصل بين العلماء المجتهدين من هذه الأمة الذين هم أهل الاستقامة وأهل الحق وأهل السنة.
فالخلاف بينهم أمر ضروري ولا يضر، بل يوجب علينا أن نصبر على ما يحدث، وأن يناصح الجميع، وأن يبقى حق الجميع في القلوب، سواء كان هذا الخلاف في الأمور الفقهية أو في محدثات العصر أو في أمور الدعوة ووسائلها وأساليبها أو في مستجدات الحياة التي لا تزال محل اجتهاد، فإن هذه الأمور كلها لا تزال محل خلاف ولن تزال إلى أن تقوم الساعة؛ فلا نتصور أو نتوهم أن الناس سيكونون على قلب رجل واحد ويرجعون إلى مرجع واحد، فإن هذا يخالف سنن الحياة وسنن الله في خلقه.
إذاً: الخلاف واقع لابد لكنه ما دام بين أهل الحق وأئمة الهدى من العلماء والمشايخ المعتبرين في عقيدتهم وفي استقامتهم من أهل السنة والجماعة فإنه يجب ألا يؤدي إلى شيء من الاستهانة بهم ولا التنقص من قدرهم ولا ترك التلقي عنهم، ولا يؤدي إلى البراء ولا إلى الجرأة على أعراضهم بسب أو لمز أو اتهام أو نحو ذلك مما قد يجرأ عليه بعض الجاهلين، وهو أمر يجب أن نستبعده، وإذا حدث فهو الحالقة التي تفرق بين المسلمين، وربما تعاقب الأمة بسبب هذا الاتجاه لو توجهت إليه لا قدر الله.
يجب أن نحرص على جمع الكلمة وأن نعتذر للعلماء، وندعو لكل إنسان يريد الخير لهذه الأمة في غيابه وفي حضرته، فلا نجرؤ على أحد بمجرد ذنب أو لمجرد خطأ أو اجتهاد مهما كان هذا الاجتهاد، حتى ولو كان في ظاهره ضرر أو حيف أو نحو ذلك مما يتذرع به بعض الجاهلين للجرأة على العلماء أو الدعاة أو نحوهم.
فإن هذه الخلافات طبيعية؛ لكن ليس من الطبيعي ولا من الجائز، وليس من الدين أن يؤدي ذلك إلى الفرقة ولا المنازعة ولا إلى العداء ولا إلى البراء ولا إلى التهاجر واستباحة الكلام في الأعراض والكلام في الأشخاص.
بعض الناس لقلة فقهه لا يفرق بين الكلام في الشخص والكلام في المسائل المختلف عليها، وطالب العلم إذا كان الاجتهاد في مسائل تخالف الآخرين ثم أدى ما عليه وبلغ اجتهاده دون أن يشير إلى أحد من الناس أو يتهم أحداً، فإننا لا نلومه في ذلك؛ لأن هذا هو ما يرى أنه حق ما لم يتعلق بأمور فيها مفسدة أو تؤدي إلى مفسدة عظمى، أما ما عدا ذلك من الأمور الاجتهادية فلا نحجر على أحد ما لم يعتد على غيره أو يقدح أو يلمز المخالفين، فإذا قدح أو لمز المخالفين أو اغتابهم فإنه قد خرج عن الخط الشرعي السليم.