[كيفية طلب العلم]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، واجعل عملنا خالصاً لوجهك الكريم، وبعد: فلعل من أهم الأمور التي ينبغي أن يعنى بها المسلمون جميعاً وطلاب العلم على وجه الخصوص في هذا العصر هو العناية بالعلوم الشرعية على أصول صحيحة سليمة، ونحن نرى بحمد الله بوادر التفات المسلمين إلى العلم الشرعي في جميع بقاع الدنيا ولا سيما الشباب، وهذا أمر يبشر بخير، ولا شك أنه إن شاء الله من علامات الخير لهذه الأمة ونهضتها على فقه من دينه.
ومع ذلك قد يعتري هذا التوجه شيء من الخلل والتقصير بسبب الفتور الذي حصل بين المسلمين في العصور الأخيرة في تحصيل العلم الشرعي، وبسبب استحداث وسائل لطلب العلم أكثرها مستمد عن غير المسلمين لا يخدم الفقه الشرعي ولا يؤدي إليه بطريق سليم، فمن هنا اختلطت على الناس الوسائل والمناهج والأساليب.
ولعل من أهم الأمور التي ينبغي أن أنبه لها بمناسبة هذه الدورة أن مما يجهله كثير من طلاب العلم الأسلوب الصحيح لطلب العلم الشرعي على أسس سليمة تؤدي إن شاء الله إلى ثمار طيبة وسليمة.
ومن هذه الأسس: أن العلم الشرعي الأصل فيه أن يُطلب على تدرج وأن يُطلب بالتلقي المباشر عن المشايخ الكبار ثم من دونهم ممن يتقنون ولو علماً من العلوم، ولا يشترط أن يتعلم جميع الشباب على الكبار؛ لأن هذا قد لا يتهيأ للجميع، المهم أن يُطلب العلم على أسس سليمة ومنها التلقي المباشر، ولا يُكتفى بمجرد الوسائل، أي الأخذ عن الكتب أو الأشرطة أو النشرات أو غيرها، فهذا لا يكفي، بل ربما يكون ضرره أكثر من نفعه، فعلى هذا لا بد من إعادة الأصول الصحيحة السليمة لتلقي العلم الشرعي.
ومما كثر الخلل فيه أن كثيراً من طلاب العلم لا يتلقونه على أسلوب صحيح من حيث التدرج، والأصل في العلم الشرعي أن يؤخذ تدرجاً، فتؤخذ الأوليات والأصول من المتون الأساسية حفظاً واستيعاباً وهو الأصل، وإن لم يتوفر الحفظ فعلى الأقل لا بد من الاستيعاب للمتون الأساسية في كل علم، بحسب توجه الشخص وميوله وبحسب قدرته واستعداده، فمن عنده استعداد كبير ومواهب فهذا يأخذ أصول العلوم الشرعية واللغوية كلها، ومن ليس عنده قدرة أو استعداد أو وقت فليأخذ ما يناسبه أو ما يرى أنه يحتاجه أو تحتاجه الأمة في وقته.
فعلى هذا لا بد من أخذ المتون أولاً، ثم بعد ذلك الشروح الوسيطة، ثم بعد ذلك الشروح البسيطة، وقد حرص كثير من طلاب العلم جزاهم الله خيراً في الآونة الأخيرة على أخذ هذا المنهج الذي كان عليه سلف الأمة، بمعنى أن يبدأ بالمتون حفظاً واستيعاباً، أو استيعاباً، ثم ما بعدها، ومن ذلك: هذه الدورة التي ستبدأ هذا اليوم إن شاء الله، ولا ننسى أن ندعو لمن تسبب في نشأتها وخروجها إلى حيّز التنفيذ، وعلى رأسهم إمام هذا المسجد جزاه الله خيراً، وجزى الله خيراً كل الإخوة والمشايخ الذين استعدوا لإلقاء هذه الدورة والإسهام فيها.
أما عن هذا الدرس فهو في متن لمعة الاعتقاد في التوحيد، واللمعة من الكتب أو المتون الشاملة التي ينبغي أن يُعنى بها طلاب العلم.
وعلم العقيدة توافرت له بحمد الله في هذا العصر مراجع ومتون وشروح كافية لمن أراد أن يطلبها، وهي متوفرة بأيدي طلاب العلم.
والمفترض في طلب العلم للعقيدة أن يبدأ بمثل هذا المتن أو ما يسبقه ككتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب والأصول الثلاثة والمسائل الأربع، ونحوها من الكتب الموجزة، ثم مثل هذا المتن الجيد المركز، ومثله متن الطحاوية، ومثله أيضاً منظومة الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله التي شرحها بمعارج القبول والمتون الشاملة أولى من غيرها، وأقصد بالمتون الشاملة المتون التي تشمل أصول عقيدة السلف الصالح من أولها إلى آخرها في الجملة، وذلك أن المتون على نوعين: متون تأخذ شعبة من شعب العلم، ومتون تكون شاملة، ومتون تكون في أكثر العلم أو بعضه أو نصفه أو ثلثه، ومتون تكون في جميع أصول العلم، ومنها هذا المتن لمعة الاعتقاد؛ فإنه في أصل علم العقيدة ويشمل الأصول المهمة جميعها، ومثله كما قلت متن الطحاوية ومنظومة الشيخ حافظ، فإن هذه المتون الثلاثة من أحسن المتون التي ينبغي أن يبدأ بها طالب العلم في تحصيل العقيدة السلفية الصحيحة.