قال:(والقدرية)، وهم الذين قالوا بنفي القدر، وهم على درجات، منهم من نفى علم الله السابق في أفعال العباد، وتقديره ومشيئته وخلقه، ومنهم من نفى العلم وأثبت الخلق، الطائفة الأولى نفوا كل درجات القدر، وزعموا أن أفعال الإنسان لا علم لله بها ولم يشأها ولم يقدرها ولم يخلقها، لكن هذا المذهب اختفى، ثم جاءت المعتزلة فيما بعد فأخذت بالمذهب الثاني، وهو إثبات العلم وإنكار المشيئة والأمر والخلق، وأحياناً يحصرون القدر بواحد من هذه الأصناف.
قال:(والمرجئة) وهم صنفان: الصنف الأول: مرجئة الجهمية الغلاة، وهذا الغالب أنه لا يطلق عليهم مرجئة، بل يطلق عليهم جهمية، وهم الذين قالوا: لا يضر مع الإيمان معصية، حتى ولو كانت شركاً أو كفراً، فمن آمن فهو كامل الإيمان، وقالوا: الإيمان هو معرفة الله عز وجل أي معرفة، ولو معرفة يهودي أو نصراني أو مشرك فمن كان يعرف الله فهو مؤمن كإيمان جبريل وإيمان الأنبياء، فلذلك كفّرهم السلف، وهم غلاة المرجئة.
وهذا القول مستمد من أقوال الفلاسفة، وهذه النزعة تجدونها في كثير من المثقفين وأوباش المتعلمين، يقولون: كل من عمل خيراً أو آمن بالله أو وجد التقوى في قلبه فهو مؤمن، حتى أن بعضهم الآن يقول: ما هو الفرق بين مؤمني أهل الكتاب ومؤمني المسلمين، وبعضهم يقول أعظم من ذلك، يقول: هؤلاء المشركون والشيوعيون والوثنيون مساكين إلى آخره المهم أن المرجئة الأوائل وهم الجهمية يقولون بهذا القول، وأغلب هذا الإرجاء لا يوجد إلا في قليل من الناس.
الصنف الثاني: إرجاء الفقهاء وهو الكثير الآن، ويشمل عدداً كبيراً من المسلمين من القرن الرابع فما بعده، وهو إخراج الأعمال من مسمى الإيمان، فيكون الإيمان هو التصديق ولا يتفاوت أبداً، إنما يتفاوت الناس بالأعمال، فلذلك قالوا: الأعمال ليست من الإيمان، لكنها من لوازم الإيمان، وهم قد خالفوا السلف في ذلك وقالوا بغير قولهم.