ما معنى قول ابن قدامة رحمه الله:(الذي لا يخلو من علمه مكان)؟
الجواب
بمعنى أن علم الله عز وجل شامل {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك:١٤] فإن الله عز وجل عالم بخلقه العلم الكامل وعلمه محيط بكل شيء من المخلوقات، هذا بدهي عند أصحاب الفطرة السليمة والعقول المستقيمة، لذلك فإن الإخوة السامعين بحمد الله كلهم لا يشكل عليهم أبداً أن الله عز وجل علمه في كل مكان، لكن لماذا قال الإمام موفق الدين وغيره من الأئمة هذه المقولة وهذه العقيدة وصرحوا بها؟ لأن هناك طائفة من الجهمية والمعتزلة تابعوا فلاسفة الصابئة والمجوس وفلاسفة اليونان والهند وغيرهم من الثنوية وغيرهم زعموا أن هناك خالقاً مع الله عز وجل له تصرف في بعض الكون علماً وتدبيراً وألوهية يستقل بها عن علم الله وتدبيره، وهذه في الأصل فكرة المجوس وانتقلت إلى طوائف من الصابئة، وإلى طوائف من النصارى، وإلى طوائف من الهنود والفلاسفة اليونان وغيرهم، ثم انتقلت إلى المسلمين عبر ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع) فمصداقاً لهذا الحديث وقعت نفس المقولة عند طوائف من القدرية الذين ورثتهم المعتزلة والجهمية فيما بعد.
والقدرية زعموا أن للإنسان استقلالاً في بعض أفعاله أو في كل أفعاله، فمنهم من زعم أن للإنسان استقلالاً في كل أفعاله فعلى هذا يلزم أن الله لا يعلم أفعاله إلا إذا حدثت، فجعلوا هناك مساحة من أفعال الإنسان لا يعلمها الله ولم يقدرها إلا إذا حدثت، وعلى هذا يقدرون أن هناك من الأفعال ما يحدث في هذا الكون في زمان ما ومكان ما من بعض مخلوق -وهو الإنسان- لا يعلمه الله كذا زعموا، ولما واجههم السلف بقوة وعنف وكفّروهم أثبتوا العلم لكنهم أنكروا القدر.
فرداً لهذه المقولة التي يزعم أصحابها أنه قد يحدث العباد أفعال الشر دون علم الله ولا تقديره، أراد أن ينفي هذه المقولة بمثل هذا القول أن الله علمه في كل مكان وفي كل زمان {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الطلاق:١٢] وأن الله عز وجل علم كل ما يكون، كيف يكون، ومتى يكون، وما هو كائن كذلك.