للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أحقية الخلفاء الأربعة للخلافة على الترتيب]

وأبو بكر أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي؛ لأن هناك من أصحاب الأهواء من سلم بأفضلية أبي بكر رضي الله عنه، لكنه لم يسلم بأحقيته بالخلافة، وعلى هذا أكثر فرق الشيعة والرافضة، وبعض الزيدية، وبعض الخوارج، فإنهم نازعوا في تقديم أبي بكر في الخلافة، وإن اعترفوا بأفضليته الأفضلية المطلقة، لأنهم يرون أن الخلافة لا ينبغي أن تكون إلا لآل البيت، وهذه النزعة نزعة موروثة عن الفرس المجوس، الذين يرون أن الملك حكر على أسر معلومة.

والفرس كانوا يقدسون الساسانيين ملوك فارس، ويرون أن الملك فيهم ولا يخرج عنهم، حتى لو انقطع نسلهم من الرجال يبقى الملك في النساء وأبناء النساء، وهذه النزعة موجودة عند كثير من الأمم الضالة، وتوجد الآن عند بعض الأمم الأوروبية كالبريطانيين، وكانت في الفرس قديماً، وانتقلت إلى الشيعة الرافضة، فهم يزعمون أن الإمامة وراثة تتفرع عن النبوة، وأنه ينبغي أن يلي الإمامة أحد الأئمة من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك حتى الذين ما طعنوا في أفضلية أبي بكر منهم كأوائل الشيعة والزيدية وبعض أهل الهوى شكوا في أفضليته أو تقديمه للإمامة، وقالوا إن الإمامة يجب أن تكون كذا وكذا، كل له شروطه.

واعتقاد أفضلية أبي بكر لم تعد في الرافضة الآن، بل انقلبوا اليوم إلى خصوم لـ أبي بكر وعمر يسبونهما، ويعتقدون ذلك ديناً يلقنونه أطفالهم وأعوانهم.

وأنا أعجب من الذين يشكون في كفر من يسبهما، أعني: أنهم قد طعنوا في أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعنوا في زوجاته وتكلموا في عرضه، فطعنوا في عائشة رضي الله عنها، بل طعنوا فيما جاء عن الصحابة من دين وروايات إلا نفراً معدودين لا يزيدون عن سبعة، وبعضهم يجعلهم خمسة أو ثلاثة.

المهم أن هؤلاء المبتدعة الضلال لم يعودوا يعترفون بـ أبي بكر ولا عمر، بل يرون أنهما ارتدا، نسأل الله السلامة.

ثم ذكر إجماع الصحابة على تقديم أبي بكر مطلقاً، ثم على مبايعته بالخلافة على وجه الخصوص، وبين أن الله عز وجل لم يكن ليجمعهم على ضلالة، ولا يزال الإجماع بين أهل الحق على إمامة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي.

قوله: (ثم من بعده عمر رضي الله عنه بفضله وعهد أبي بكر إليه، ثم عثمان رضي الله عنه لتقديم أهل الشورى له).

هذا فيما يتعلق بخلافة عمر رضي الله عنه، فإنه استحق الخلافة بأمور كثيرة، منها أنه الرجل الثاني في الأفضلية، ومنها أن أبا بكر رضي الله عنه عهد إليه بالخلافة، ومنها أن أهل الشورى وهم الصحابة رضوا بخلافته وبايعوه، وهذا إجماع.

ثم عثمان رضي الله عنه كذلك حقه في الخلافة حق مشروع؛ لأنه تمت له البيعة لاصطفائه من قبل عمر رضي الله عنه من خلال الستة الذين اختارهم، ثم إن أهل الشورى الذين قدمهم عمر ثم قدمهم المسلمون وهم أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر، اتفقوا على عثمان، ثم أجمع الصحابة على خلافته بمبايعتهم له، حتى الذين تخلفوا عن مبايعته أول الأمر لحقوا فيما بعد بالجميع وتمت الخلافة له بالإجماع.

ثم علي رضي الله عنه انعقدت خلافته بالإجماع، وقد أورد بعض الجهلة إشكالاً حول خلافة علي رضي الله عنه، وهو ما حصل من منازعة له من قبل معاوية رضي الله عنه وأهل الشام وبعض الناس، وظنوا أن ذلك يعد اختلافاً على إمامته، وليس الأمر كذلك، بل كانت البيعة عندهم مشروطة فقط، بمعنى أنهم قالوا: نبايع وعلى العين والرأس والسمع والطاعة لكن بشرط أن يقتص من قتلة عثمان قبل البيعة.

إذاً: لم يكن أحد ينازع في بيعة علي رضي الله عنه، إنما كانت المنازعة في إجراء البيعة كيف تكون ومتى تكون فقط، ومع ذلك فقد انعقدت البيعة من أهل الشورى وأهل الحل والعقل القريبين منه في المدينة.

ثم قال: (وهؤلاء الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)).

وهذا أصل من الأصول الكبرى والعظمى في تقرير الدين وبيان مصادره، فإن الأمور التي سنها الخلفاء الراشدون في أحوال الأمة تعد سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها كذلك، فقال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) فلذلك تميز عهد الخلفاء بأن كثيراً مما وقع فيه باجتهاد هؤلاء الخلفاء الراشدين وأهل الشورى معهم، سواء ما كان حول التشريع والعمل به، أو حول الجهاد، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الولايات والخلافة والإمامة، أو غير ذلك من مصالح الأمة ومناهجها في الدي

<<  <  ج: ص:  >  >>