المعنى: اشتمل هذا البيت على النوعين الثالث والرابع اللذين استثنيا من الإبدال، فالنوع الثالث: في كلمة وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ بالأحزاب وكلمة وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ بالمعارج، وبين الناظم علة استثناء هاتين الكلمتين بأن النطق بهما مهموزتين أخف من النطق بهما مبدلة همزتهما؛ لأنه في حال الإبدال تجتمع واوان: الأولى ساكنة والثانية متحركة مع الإظهار، والقاعدة إدغام الأولى في الثانية.
النوع الرابع: في كلمة أَثاثاً وَرِءْياً بمريم، وذكر الناظم علة استثنائها من الإبدال بأن إبدالها يؤدي إلى التباس المعنى واشتباهه؛ لأنه لو أبدلت الهمزة ياء لوجب إدغامها في الياء التي بعدها وحينئذ يشتبه بلفظ الري الذي يدل على الامتلاء بالماء؛ لأنه يقال: روي
بالماء ريّا إذا امتلأ منه وليس ذلك مرادا هنا بل المراد أنه من الرواء المأخوذ من الرؤية وهو ما رأته العين من حالة حسنة ومنظر بهيج، فقراءة هذا اللفظ بالهمز تدل على معناه نصّا، وقراءته بالإبدال تدل عليه احتمالا فقرئ بالهمز؛ ليكون نصّا في الدلالة على المراد منه.
٢٢٠ - ومؤصدة أوصدت يشبه كلّه ... تخيّره أهل الأداء معلّلا
المعنى: تضمن هذا البيت النوع الخامس المستثنى من الإبدال وهو كلمة مُؤْصَدَةٌ* في سورتي البلد والهمزة. وقد اختلف علماء العربية في اشتقاق هذه الكلمة فذهبت طائفة ومنهم أبو عمرو البصري إلى أن هذه الكلمة مشتقة من آصدت. والأصل أأصدت مهموز الفاء فأبدلت الهمزة حرف مد من جنس حركة ما قبلها، فأصل فاء الكلمة همزة ومعناها أطبقت. وذهب آخرون إلى أنها من أوصدت وليس لها أصل في الهمز فاختار السوسي همز كلمة مُؤْصَدَةٌ* لأنها عند شيخه أبي عمرو من آصدت مهموز الفاء، فلو أبدلت همزتها لظن أنها من لغة أوصدت معتل اللام كما يقرأ غيره وليست هذه لغة شيخه فالمقصود من همز هذه الكلمة النص على أن السوسي يقرأ بلغة شيخه البصري لا باللغة الأخرى، ولهذا قال الناظم (أوصدت يشبه) يعني أن مُؤْصَدَةٌ* بالإبدال يشبه لغة أوصدت. فالقراءة بالإبدال تؤدي إلى الخروج من لغة إلى لغة أخرى، فاختير الهمز؛ ليكون نصّا في الدلالة على لغة آصدت التي هي لغة أبي عمرو البصري. ثم قال الناظم:(كله تخيره أهل الأداء معللا) يعني: كل ما ذكر من المستثنى تخير استثناءه