به قبل كونه كالقول سواد إنما سمي سواداً لنفسه وكذلك البياض وكذلك الجوهر إنما سمي جوهراً لنفسه وما سمي به الشيء لأنه يمكن أن يذكر ويخبر عنه فهو مسمىً بذلك قبل كونه كالقول شيء فإن أهل اللغة سموا بالقول شيء كل ما أمكنهم أن يذكروه ويخبروا عنه وما سمي به الشيء للتفرقة بينه وبين أجناس أخر كالقول لون وما أشبه ذلك فهو مسمىً بذلك قبل كونه وما سمي به الشيء لعلة فوجدت العلة قبل وجوده فواجب أن يسمى بذلك قبل وجوده كالقول مأمور به إنما قيل مأمور به لوجود الأمر به فواجب أن يسمى مأموراً به في حال وجود الأمر وإن كان غير موجود في حال وجود الأمر وكذلك ما سمي به الشيء لوجود علة يجوز وجودها قبله وما سمي به الشيء لحدوثه ولأنه فعل فلا يجوز أن يسمى بذلك قبل أن يحدث كالقول مفعول ومحدث وما سمي به الشيء لوجود علة فيه فلا يجوز أن يسمى به قبل وجود العلة فيه كالقول جسم وكالقول متحرك وما أشبه ذلك وكان ينكر قول من قال الأشياء أشياء قبل كونها ويقول: هذه عبارة فاسدة لأن كونها هو وجودها ليس غيرها فإذا قال القائل: الأشياء أشياء قبل كونها فكأنه قال: أشياء قبل أنفسها.
٧ - وقال قائلون: لم يزل الله يعلم عوالم وأجساماً لم يخلقها وكذلك لم يزل يعلم أشياء وجواهر وأعراضاً لم تكن ولا تكون ولا نقول: لم يزل يعلم مؤمنين وكافرين وفاعلين ولكن نقول إن كل شيء يقدر الله أن يبتدئه بصفة من الصفات فهو يعلمه بتلك الصفة إذا كانت تلك الصفة مقدورة له إذ كان لم يزل مقدوراً له قالوا: ويستحيل أن يقال للإنسان مؤمن في حال كونه أو كافر فلما استحال أن يوصف به في حال كونه فمستحيل أن يوصف به قبل كونه ولما كان الله - سبحانه - قد يبتدئه جسماً طويلاً قيل جسم طويل مقدور وهذا قول الشحام وقد ناهض هؤلاء لأن الجسم في حال كونه موجود مخلوق وهم لا يقولون أنه موجود مخلوق قبل كونه.
وقال قائلون: لم يزل الله يعلم أجساماً لم تكن ولا تكون ويعلم مؤمنين لم يكونوا وكافرين لم يخلقوا ومتحركين وساكنين مؤمنين وكافرين ومتحركين وساكنين في الصفات قبل أن يخلقوا وقاسوا قولهم حتى قالوا: معلومون معذبون بين أطباق النيران في الصفات وأن المؤمنين مثابون ممدوحون منعمون في الجنان في الصفات لا في الوجود إذ كان الله قادراً أن يخلق من يطيعه فيثيبه ومن يعصيه فيعاقبه مقدور معلوم وبلغني عن أنيب بن سهل الخراز أنه كان يقول: مخلوق في الصفات قبل الوجود ويقول: موجود في الصفات.