للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{

ذكر عِيسَى بن الملجوم قَاضِي فاس

وَمن الْقُضَاة، عِيسَى بن يُوسُف بن عِيسَى الأزدى، من أهل مَدِينَة فاس، وَجلة أعيانها، يكنى أَبَا مُوسَى، وَيعرف بِابْن الملجوم. رَحل إِلَى قرطبة عَام ٤٧٥؛ فَأخذ بهَا عَن أبي عَليّ الغساني، وَأبي عبد الله بن فرج بن الطلاع، وَأبي بكر حَازِم. وكر رَاجعا إِلَى بَلَده؛ فولى الْقَضَاء بِهِ. وَكَانَ فَقِيها نزيهاً، عدلا، جزلاً. وَبَقِي قَاضِيا إِلَى أَن توفّي فِي شهر رَجَب عَام ٥٤٣. ذكره ابْن الزبير وَابْن عبد الْملك.

ذكر القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْحَاج

وَمِنْهُم، مُحَمَّد بن أَحْمد بن خلف بن إِبْرَاهِيم التجِيبِي، الْمَعْرُوف بِابْن الْحَاج، قَاضِي الْجَمَاعَة بقرطبة؛ يكنى أَبَا عبد الله. روى عَن أبي جَعْفَر أَحْمد بن زرق الْفَقِيه، وتفقه عِنْده؛ وَقيد الْغَرِيب واللغة وَالْأَدب عَن أبي مَرْوَان عبد الْملك بن سراج، وَسمع من أبي عبد الله مُحَمَّد بن فرج الْفَقِيه، وَمن أبي عَليّ الغساني وَغَيرهم. وَكَانَ من جلة الْفُقَهَاء، وكبار الْعلمَاء، معدوداً فِي الْمُحدثين والأدباء، بَصيرًا بالفتيا، راسماً فِي الشورى؛ وَكَانَت الْفَتْوَى فِي وقته تَدور عَلَيْهِ، لمعرفته، وثقته، وديانته. وَكَانَ معتنياً بِالْحَدِيثِ والْآثَار، جَامعا لَهَا، مُقَيّدا لما أشكل من مَعَانِيهَا، ضابطاً لأسماء رجالها ورواتها، ذَاكِرًا للغريب والأنساب واللغة وَالْإِعْرَاب، وعالماً بمعاني الْأَشْعَار وَالسير وَالْأَخْبَار. قَالَ ابْن بشكوال: قيد الْعلم عمره كُله، وعنى بِهِ عناية كَامِلَة: مَا أعلم أحدا فِي وقته عني كعنايته. قَرَأت عَلَيْهِ، وَسمعت، وَأَجَازَ لي بِخَطِّهِ. وَكَانَ لَهُ مجْلِس بالجامع بقرطبة، يسمع النَّاس فِيهِ. وتقلد الْقَضَاء بقرطبة مرَّتَيْنِ وَكَانَ فِي ذَاته لينًا، صَابِرًا، طَاهِرا، حَلِيمًا، متواضعاً، لم يحفظ لَهُ جور فِي قَضِيَّة، وَلَا ميل بهواة، وَلَا إصغاء إِلَى عناية. وَكَانَ كثير الْخُشُوع وَالذكر لله تَعَالَى. وَلم يزل، آخر عمره، يتَوَلَّى الْقَضَاء بقرطبة، إِلَى أَن قتل ظلما بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع بقرطبة، يَوْم الْجُمُعَة، وَهُوَ ساجد لأَرْبَع بَقينَ من صفر من سنة ٥٢٩. ومولده فِي صفر سنة ٤٥٨. وَكتابه من نَوَازِل الْأَحْكَام، المتداول لهَذَا الْعَهْد بأيدي النَّاس، من الدَّلَائِل على تقدمه فِي المعارف وبراعته تغمدنا وإياه برحمته}

<<  <   >  >>