ذكر القَاضِي أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يحيى بن زَكَرِيَّاء
وَمِنْهُم أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يحيى شَقِيق الْفَقِيه القَاضِي مُحَمَّد بن زَكَرِيَّاء الْمُتَقَدّم الذّكر. وَكَانَ من سراة الْقُضَاة، طرفا فِي الْخَيْر والاقتصاد والتعزز والانقباض، بارعاً فِي الْخط؛ أَخذ بحظ من النّظم والنثر، وَاسْتعْمل فِي الْقَضَاء؛ فَسَار فِيهِ بأجمل سيرة وَأحمد طَريقَة. قَرَأَ على أَبِيه؛ ثمَّ تحول إِلَى الْأُسْتَاذ أبي جَعْفَر بن الزبير، وَأخذ بسبتة عَن أبي إِسْحَاق الغافقي، وَصَحب صوفية وقته كَأبي عبد الله التّونسِيّ، وَأبي جَعْفَر بن الزيات، وَأبي الطَّاهِر بن صَفْوَان. وَكتب بِالدَّار السُّلْطَانِيَّة؛ فَكَانَ زين أخدانه، وَصدر إخوانه. مولده فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين لشعبان من عَام ٧٥١.
ذكر القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن عبيد الله بن مَنْظُور الْقَيْسِي
وَمن أَعْلَام الْقُضَاة، الشَّيْخ الْفَقِيه أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبيد الله بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن يحي بن عبيد الله بن مَنْظُور الْقَيْسِي المالقي، وَأَصله من إشبيلية، من الْبَيْت الأثيل الْمَشْهُور؛ وَيَكْفِي من التَّعْرِيف بقدم إصالته الْكتاب الْمُسَمّى ب الرَّوْض المنظور، فِي وصاف بني مَنْظُور. وَكَانَ هَذَا القَاضِي رَحمَه الله! جم التَّوَاضُع، كثير الْبر. مبذول الْبشر، قَوِيا مَعَ ذَلِك على الحكم، بَصيرًا بِعقد الشُّرُوط، مترفقاً بالضعيف. ولي الْقَضَاء بجهات شَتَّى من الأندلس، فحمدت سيرته، وشكرت طَرِيقَته؛ ثمَّ تقدم بِبَلَدِهِ مالقة قَاضِيا وخطيباً بقصبتها. وَكَانَ سريع الْعبْرَة، كثير الخشية، جَارِيا على سنَن أسلافه من الْفضل وإيثار الْبَذْل. قَرَأَ على الْأُسْتَاذ أبي مُحَمَّد بن أبي السداد الْبَاهِلِيّ، ولازمه، وانتفع بِهِ وَسمع على غَيره. وَأَجَازَهُ ابْن الزبير، وَابْن عقيل الرندى، وَأبي عَمْرو الطنجي، وَغَيرهم. وَله تآليف، سَمِعت عَلَيْهِ بَعْضهَا، وناولني سائرها؛ مِنْهَا نفحات النسوك، وعيون التبر المسبوك، فِي أشعار الْخُلَفَاء والوزراء والملوك؛ وَكتاب السجم الواكفة، والظلال الوارفة، فِي الرَّد على مَا تضمنه المظنون بِهِ من