للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابْن يُونُس: بل يكون همه فِي ثَلَاث خِصَال: رِضَاء ربه، ورضاء سُلْطَانه، ورضاء من يَلِي عَلَيْهِ. وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: لما رَأَيْت النَّاس لَا يَجْتَمعُونَ على حَالَة، أخذت لنَفْسي بِالَّذِي هُوَ أولى. ونظم بَعضهم هَذَا الْمَعْنى، فَقَالَ: اعْمَلْ لنَفسك صَالحا لَا تحتفل ... بكبير قيل فِي الْأَنَام وَقَالَ فَالنَّاس لَا يُرْجَى اجْتِمَاع قُلُوبهم ... لَا بُد من معن عَلَيْك وَقَالَ

ذكر القَاضِي الْفرج بن كنَانَة

وَمن الْفُقَهَاء الْمَعْدُودين بالأندلس فِي صُدُور الْقُضَاة، الْفرج بن كنَانَة الْكِنَانِي، رَحل إِلَى الْمشرق، وَسمع من عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم وَغَيره. وَلما قدم من رحلته، استخلصه الْأَمِير الحكم بن هِشَام، وولاه قَضَاء الْجَمَاعَة بقرطبة. وَهُوَ كَانَ القَاضِي بهَا أَيَّام الْهَرج الْمَعْرُوف بوقيعة الربض. وَمِمَّا جرى لَهُ حِينَئِذٍ، أَن بعض أَصْحَاب الْأَمِير الحكم، الَّذين أرسلهم على النَّاس، تعلقوا بجار الْفرج بن كنَانَة، أتهموه بالحركة فِي الصُّبْح، وتسوروا عَلَيْهِ. وَصَاح نساؤه؛ فَسمع القَاضِي الصُّرَاخ؛ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقيل: جَارك فلَان {تعلق بِهِ الحرس؛ فأخرجوه ليقْتل} فبادر الْخُرُوج، وكف الْقَوْم عَن جَاره، وَقَالَ لَهُم: إِن جاري هَذَا بَرِيء الساحة، سليم النَّاحِيَة، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء مِمَّا تظنون. فَقَالَ لَهُ رَئِيس الحرس، الْمُرْسل مَعَهم: لَيْسَ هَذَا من شَأْنك {عَلَيْك بِالنّظرِ فِي أحباسك وحكومتك} ودع مَا لَا يَعْنِيك {فَغَضب الْفرج عِنْد ذَلِك، وَمَشى إِلَى الْأَمِير الحكم؛ فَاسْتَأْذن عَلَيْهِ. فَلَمَّا دخل، قَالَ لَهُ بعد السَّلَام: أَيهَا الْأَمِير} إِن قُريْشًا حَارَبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وناصبته الْعَدَاوَة فِي الله تَعَالَى؛ ثمَّ إِنَّه صفح عَنْهُم، لما أظفره الله تَعَالَى بهم، وَأحسن إِلَيْهِم. وَأَنت أَحَق النَّاس بالاقتداء بِهِ، لقرابتك مِنْهُ، ومكانك من خِلَافَته فِي عباد الله} ثمَّ حكى لَهُ قصَّة جَاره، وَمَا عرض لَهُ فِي الدفاع عَنهُ. فَأمر بتخليه سَبيله، وبعقاب النَّاظر الَّذِي عَارض القَاضِي؛ وَعَفا عِنْد ذَلِك عَن بَقِيَّة أهل قرطبة، وَبسط الْأمان بجماعتهم، وردهم إِلَى أوطانهم.

<<  <   >  >>