أَيَّام، جلائل فِي نَوَاحِيهَا، آخِذا عَن أَهلهَا؛ ثمَّ قَالَ: حصل لنا الْغَرَض من مُشَاهدَة بعد الْبِلَاد الأندلسية، والكون بهَا؛ وَالْحَمْد لله على ذَلِك! وَعَاد قَافِلًا إِلَى أرضه. وَلما توفّي قَافِلًا جرى بعد ابْنه الْمُسَمّى تحامل فِي متروكه لتبعة تسلطت على نشبه، أدته إِلَى الْجلاء عَن وَطنه؛ فاستقر بمالقة، وَأقَام بهَا زَمَانا، لَا يَهْتَدِي لمَكَان فَضله إِلَّا من عثر عَلَيْهِ جزَافا. وَلم ينْتَقل عَن حَالَته من الخشنة، والانقباض، والعكوف على النّظر فِي الْعُلُوم، إِلَى أَن توفّي فِي ذِي الْعقْدَة من عَام ٧٤٣.
ذكر القَاضِي أبي الْعَبَّاس الغبريني
وَمِنْهُم الْفَقِيه أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أَحْمد الغبريني ولي الْقَضَاء بمواضع عدَّة، أَخّرهَا مَدِينَة بجاية. فَكَانَ فِي حكمه شَدِيدا، مهيباً ذَا معرفَة بأصول الْفِقْه، وَحفظ لفروعه؛ وَقيام على النَّوَازِل، وَتَحْقِيق للمسائل. وَلما ولي خطة الْقَضَاء، ترك حُضُور الولائم، وَدخُول الْحمام، وسلك طَرِيق الْيَأْس من مداخلة النَّاس. وَمن أناشيده: لَا تنكحن سرك الْمكنون خاطبه ... وَأَجْعَل لميته بَين الحشا جدثا وَلَا تقل نفثة المصدور رَاحَته ... كم نافث روحه من صَدره نفثا وَهَذَا القَاضِي مِمَّن ذكره عبد الرَّحْمَن الزليجي فِي تأريخه، وَقَالَ عَنهُ: توفّي عَام ٧٠٤.
ذكر القَاضِي أبي عبد الله بن عبد الْمُهَيْمِن الْحَضْرَمِيّ
وَمِنْهُم مُحَمَّد بن عبد الْمُهَيْمِن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ؛ يكنى أَبَا عبد الله، وَيعرف بنسبته. وَكَانَ فِي قطره كَبِير الْقدر. ولي الْقَضَاء بسبتة. ولقرابته من رؤسائها بني الغزفي، وَذَلِكَ عَام ٦٨٣؛ فَقَامَ بِالْأَحْكَامِ أجمل قيام، مستعيناً بِحسن النّظر وَفضل الجاه وَعز النزاهة. فَكَانَ مَجْلِسه يغص بعمائم الْعلمَاء، وهم كَأَنَّمَا على رؤوسهم الطير هَيْبَة لَهُ، وتأدباً مَعَه. وَكَانَ فِي بَاب الْقبُول شَدِيدا على الشُّهَدَاء؛ فيذكر أَن أحد الظلمَة