الْبَحْر فِي الْحَال شدَّة ارتجاجه؛ وعنف بهم، وسلبوا دوابهم وثيابهم. فَكتبت سلامتهم، وَخَرجُوا إِلَى وهران؛ وَقَامَت لنكبتهم بقرطبة الْقِيَامَة. ثمَّ قتل وَاضح وَحسن الرَّأْي فيهم، وَوجه عَنْهُم، وعادوا إِلَى وطنهم، إِلَّا أَنهم لم يتعاودوا الْعَمَل، وَلَا تقلدوه، مَعَ تكْرَار الرَّغْبَة لَهُم. وَتَمَادَى أَبُو الْعَبَّاس على حَالَته من السّكُون والانقباض، إِلَى أَن توفّي سنة ٤١٣. ثمَّ تلاه أَبُو حَاتِم أَخُوهُ. ورثى الأديب ابْن الحناط الضَّرِير أَبَا الْعَبَّاس بقصيدة فريدة، أَولهَا: عفاء على الْأَيَّام بعد ابْن ذكْوَان ... وقبحاً لدُنْيَا غيرت كل إِحْسَان سأبكي دَمًا بعد الدُّمُوع بعبرة ... تغير إحساني وتعبر عَن شأني وَإِن حَياتِي الْيَوْم بعد وَفَاته ... دَلِيل بِأَن الْعذر فِي كل إِنْسَان أحقاً سراج الْعلم أخمده الردى ... وَهدم ركن الدّين من بعد شان وغودر فِي دَار البلا علم الْهدى ... فزعزع آساس مضعضع أَرْكَان فشقت عَلَيْهِ المكرمات جيوبها ... وَأَلْقَتْ رُؤُوس الْمجد عَنْهَا محان
ذكر القَاضِي أبي الْمطرف بن فطيس
وَمن الْقُضَاة بعد ابْن ذكْوَان، أَبُو الْمطرف عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن فطيس. وَقد كَانَ تقلد خطة الْمَظَالِم بِعَهْد الْمَنْصُور مُحَمَّد بن أبي عَامر؛ فَكَانَت أَحْكَامه شداداً، وعزائمه نَافِذَة؛ وَله على الظَّالِمين سُورَة مرهوبة. وشارك الوزراء فِي الرَّأْي؛ إِلَى أَن ارْتقى إِلَى ولَايَة الْقَضَاء بقرطبة، مجمعا إِلَى خطة الوزارة وَالصَّلَاة؛ وَقل مَا اجْتمع ذَلِك لقاض قبله بالأندلس. وَلَقَد بَلغنِي أَن عبد الرَّحْمَن بن بشر، قَاضِي آل حمود، خَاطب ابْن هِشَام، قَاضِي القيروان، فِي بعض مَا يُكَاتب لَهُ الْقُضَاة من أَمر الْحُكُومَة؛ وَكَانَ ابْن بشر مِمَّن احْتمل إِلَى خطة الْقَضَاء خطة الوزارة، وأثبتهما مَعًا فِي العقد