الْيَتِيم إِنَّه مَا قبض حَتَّى يمْضِي من الْمدَّة مَا يغلب على الظَّن مَعهَا كذبه فِي أَنه لم يقبض وَيصدق وليه فِي أَنه دفع. وَهَذِه الْمَسْأَلَة، وَإِن لم تكن من الدُّيُون، فَإِنَّهَا تشارك الدُّيُون فِي أَن الْوَصِيّ لَا يصدق فِي الدّفع إِلَى الْيَتِيم مَعَ الزَّمَان الْقَرِيب. وَالْأَصْل فِي هَذَا كُله شَهَادَة الْعرف وَالْعَادَة. فَإِذا شهد الْعرف للمديان وَرجح قَوْله، صدق فِي الدّفع مَعَ يَمِينه؛ وَإِن لم يشْهد لَهُ الْعرف، فَالْقَوْل قَول رب الدّين فِي أَنه لم يقبض، وَقيام رب الدّين بعد طول الزَّمَان بِهِ ودعواه عدم الْقَبْض مِمَّا يوهن دَعْوَاهُ ويكذبه؛ فَيكون القَوْل قَول الْمديَان فِي الدّفع مَعَ يمنيه لشهادة الْعرف بِهِ. وَمِقْدَار الطول التَّحْقِيق فِيهِ مَا قَالَه الإِمَام أَبُو عبد الله الْمَازرِيّ إِنَّه غير مُقَدّر، وَلَا مَحْدُود، إِلَّا بِحَسب مَا تجْرِي بِهِ الْعَادة فِي سَائِر الْجِهَات وَفِي أَجنَاس التِّجَارَات. وَالله أعلم! وَفِي هَذَا الْقدر كِفَايَة.
ذكر القَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الله بن يحيى الْأنْصَارِيّ
وَمن الْقُضَاة، عبد الله بن يحيى بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن زَكَرِيَّاء الْأنْصَارِيّ الأوسي، من أهل غرناطة؛ وَأَصله من مرسية، من بَيت جود وَفضل يكنى أَبَا مُحَمَّد. كَانَ مِمَّن ولى الْقَضَاء وَهُوَ دون عشْرين سنة، وَتصرف فِيهِ بَقِيَّة عمره بالجهات الأندلسية؛ فأظهر نزاهة وعدالة، وَأكْثر مَعَ ذَلِك من الْقِرَاءَة والإجتهاد، حَتَّى صَار من أهل الْقيام، والإحكام، والتقدم فِي عقد الشُّرُوط، والإمامة فِي علم الْفَرَائِض وَالْعدَد، وَمَا يرجع إِلَيْهِ، عَن الْأُسْتَاذ أبي عبد الله بن الرقام. وروى عَن أبي جَعْفَر بن الزبير، وَالْقَاضِي أبي عبد الله بن هِشَام، والخطيب أبي الْحسن بن فَضِيلَة. وَكَانَ فِي قَضَائِهِ على طَريقَة حَسَنَة من دماثه أَخْلَاق، وسلامة أغراض، وَتثبت فِي المشكلات، والأمور المشتبهات؛ وَكَثِيرًا مَا كَانَ يُطِيل الْجُلُوس فِي آخر النَّهَار، خشيَة أَن يَأْتِي مُحْتَاج ضَعِيف، أَو شَاك ملهوف من مَكَان بعيد؛ فَلَا يُوجد. وَإِذا بَان لَهُ وَجه الْحق فِي الْحُكُومَة، أنفذ دون استراب فِي شَيْء مِنْهُ، أَخذ فِيهِ بِمذهب ابْن مخلد من الأستيناء، حَتَّى يصير الْفَرِيقَانِ إِلَى التصالح، احْتِيَاطًا لنَفسِهِ وَلغيره. مولده منتصف شهر جُمَادَى الآخر عَام ٦٧٥. وَتُوفِّي وَهُوَ قَاض ببسطة، فِي التَّاسِع عشر فِي شهر رَمَضَان عَام ٧٤٥.