بَين قومه، مكباً على الْعِبَادَة والخفوق على الْجِهَاد. وَله رِوَايَة عَن وَالِده أبي عَليّ، وَعَن الْخَطِيب أبي الْحسن بن فَضِيلَة وَغَيرهمَا. وَله تأليف فِي منع سَماع اليراعة الْمُسَمَّاة بالشبابة وعَلى ذَلِك درج جمهورهم. مولده فِي ذِي الْقعدَة من عَام ٦٥٣؛ ووفاته فِي شَوَّال من عَام ٧٣٣. وَأما الشَّيْخ أَبُو أَحْمد، الصُّوفِي الْكَبِير، الْوَلِيّ الشهير، فَهُوَ جَعْفَر بن عبد الله بن مُحَمَّد بن سيد بونة. قَرَأَ ببلنسية وَغَيرهَا. قَالَ ابْن الْأَبَّار: وَكَانَ يحفظ نصف الْمُدَوَّنَة أَو أَكثر، ويؤثر الحَدِيث وَالْفِقْه والتمييز على غَيره من الْعُلُوم. ورحل إِلَى الْمشرق؛ فَأدى فَرِيضَة الْحَج وَلَقي جلة من الْفُضَلَاء، أشهرهم وأكبرهم فِي بَاب الزّهْد والورع؛ وسنى الْأَحْوَال، ورفيع المقامات، الشَّيْخ الصَّالح أَبُو مَدين شُعَيْب بن الْحُسَيْن مُقيم بجاية؛ فصحبة كثيرا، وانتفع بِهِ، وارتوى من ذلاله. توفّي رَحمَه الله وأرضاه! عَن غير عقب من الذُّكُور، وَذَلِكَ فِي شهر شَوَّال سنة ٦٢٤.
ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هِشَام
وَتقدم أَيْضا بغرناطة لتنفيذ الْأَحْكَام مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هِشَام؛ استقضاه السُّلْطَان أَبُو عبد الله الْمَدْعُو بالفقيه، لقصة رفعت من شَأْنه؛ وَذَلِكَ أَن هَذَا الرجل نَشأ فِي الدجن بِبِلَاد الرّوم من شَرق الأندلس. ثمَّ هَاجر مِنْهَا؛ فاستقر بوادي آش؛ فأقرأ الْعلم بهَا، وَصحح مَا كَانَ قد تحمله من فنون الْعلم. فَلَمَّا توفّي قَاضِي الْبَلدة، أَيَّام خلاف بني أشقيلولة بهَا، عرض عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا؛ فتمنع وَأبي لمَكَان الْفِتْنَة، إِلَّا أَن يكون التَّقْدِيم من قبل أَمِير الْمُسلمين المحق بالخلافة، السُّلْطَان أبي عبد الله الْمَذْكُور. فَأَعْرض عَنهُ، وَقدم غَيره. فَلم يرض النَّاس بِهِ؛ فدعَتْ الرؤساء الْمَذْكُورين الضَّرُورَة إِلَى طلب التَّقْدِيم من حَيْثُ ذكر. فأنفذ لَهُم الْمَطْلُوب. وَلما ذهبت الْفِتْنَة، وتملك السُّلْطَان الْمَدِينَة، تحقق فضل ابْن هِشَام وصلابته فِي الْحق؛ فنقله إِلَى مَدِينَة المرية وَعند وَفَاة أبي بكر الأشبرون، استقدمه من هُنَالك، وقلده الْقَضَاء بِحَضْرَتِهِ. فحسنت