وَمِنْهُم يحيى بن زيد التجِيبِي. ولاه الْقَضَاء بالأندلس عمر بن عبد الْعَزِيز، على مَا روى عَن مُحَمَّد بن وضاح. وَكَانَ رجلا صَالحا، ورعاً، منقضباً، وَقد وَقع التَّنْبِيه على سيرة مهَاجر بن نَوْفَل: وَكَانَ من رسمه، إِذا اجْتمع النَّاس عِنْده للحكومه، بَدَأَ بوعظهم وتذكيرهم؛ فَلَا يزَال يخوفهم الله تَعَالَى، ويحذرهم وبال الْجِدَال بِالْبَاطِلِ، وَمَا يلْحق الْمُبْطل من سخط الله عز وَجل! وعقوبته، ويمثل لَهُم مواقفهم بَين يَدَيْهِ فِي الْقِيَامَة، ثمَّ يذكر مَا يلْزم القَاضِي من الْحساب، وَمَا يجب عَلَيْهِ من التَّحَرِّي لإصابة الْحق، وَالِاجْتِهَاد لتخليص نَفسه؛ ثمَّ يَأْخُذ فِي النوح والبكاء على نَفسه. فَيكون ذَلِك دأبه، حَتَّى لربما انْصَرف عَنهُ أَكثر المختصمين، بَاكِينَ، وجلين، قد تعاطوا الْحق بَينهم.
ذكر القَاضِي مُعَاوِيَة بن صَالح الْحَضْرَمِيّ
وَمن الْقُضَاة الْمُتَقَدِّمين، مُعَاوِيَة بن صَالح الْحَضْرَمِيّ الْحِمصِي. خرج من الشأم إِلَى الأندلس؛ فوصلها سنة ١٢٣. فاستوطن مَدِينَة مالقة، وَبنى بِأَسْفَل قصبتها مَسْجِدا هُوَ مَنْسُوب حَتَّى الْآن لَهُ. ثمَّ انْتقل إِلَى إشبيلية؛ فسكنها. ثمَّ ولاه الْأَمِير عبد الرَّحْمَن ابْن مُعَاوِيَة الْقَضَاء بقرطبة. وَكَانَ من جلة أهل الْعلم، وكبار رُوَاة الحَدِيث؛ شَارك مَالك بن أنس فِي بعض رِجَاله كيحيى بن سعيد وَأَمْثَاله. وَأخذ عَنهُ جملَة من الأيمة، مِنْهُم سُفْيَان الثَّوْريّ، وَاللَّيْث بن سعد، وَابْن عُيَيْنَة. وَذكر أَن مَالك بن أنس روى عَنهُ حَدِيث وَاحِدًا. وَكَانَ مِمَّن يَسْتَغْنِي بعقله وَعلمه وفهمه عَن مُشَاورَة غَيره. ورحل إِلَيْهِ زيد بن الْحباب من الْكُوفَة؛ فَسمع مِنْهُ بالأندلس حَدِيثا كثيرا. وَتُوفِّي بقرطبة، وَدفن ببقيع ربضها؛ وَصلى عَلَيْهِ الْأَمِير هِشَام بن عبد الرَّحْمَن وَمَشى على قَدَمَيْهِ فِي جنَازَته؛ وَذَلِكَ سنة ١٦٨.