فاس. فَدفن بهَا بِبَاب الجيسة. قَالَ: وروى عَنهُ الجم الْغَفِير؛ فَمن جملَة من روى عَنهُ، من عُلَمَاء الْمِائَة الْخَامِسَة، القَاضِي أَبُو الْفضل عِيَاض بن مُوسَى، وَأَبُو جَعْفَر بن الباذش، وَطَائِفَة. وَالصَّحِيح فِي القَاضِي أبي بكر أَنه إِنَّمَا دفن خَارج بَاب المحروق من فاس؛ وَمَا وَقع من دَفنه بِبَاب الجيسة وهم من ابْن الزبير وَغلط. وَقد زرناه وشاهدنا قَبره بِحَيْثُ ذَكرْنَاهُ أرضاه الله وَغفر لنا وَله!
ذكر القَاضِي أبي الْمطرف عبد الرَّحْمَن الشّعبِيّ
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو الْمطرف عبد الرَّحْمَن بن قَاسم الشّعبِيّ المالقي. ولي الْقَضَاء بِبَلَدِهِ نِيَابَة، ثمَّ اسْتِقْلَالا. وَكَانَ عَالما، متفنناً، بَصيرًا بالنوازل، حَافِظًا للمسائل؛ وَعَلِيهِ كَانَت الْفتيا تَدور بقطره، أَيَّام حَيَاته، وَجَرت بَينه وَبَين القَاضِي أبي بكر بن الْعَرَبِيّ، عِنْد اجتيازه على مالقة، مناظرات فِي ضروب من الْعُلُوم. وَكَانَت لَهُ فِي الْأَقْضِيَة مَذَاهِب من الِاجْتِهَاد، لم تكن لغيره من أهل طبقته، وَلَا سِيمَا فِيمَا يرجع إِلَى راوية أَشهب؛ وَنَظره من ذَلِك أَنه كَانَ يَقُول فِي اللُّصُوص الْمُحَاربين، إِذا أخذُوا وَمَعَهُمْ أَمْوَال؛ فجَاء قوم يدعونَ ملك الْأَمْوَال، وَلَيْسَت لَهُم بَيِّنَة، إِن القَوْل قَوْلهم فِي أَن المَال لَهُم بعد الاستيناء قَلِيلا. وروجع فِي ذَلِك فَقَالَ: المروى عَن مَالك أَنه قَالَ: يقبل قَوْلهم على اللُّصُوص، ودعواهم بِغَيْر بَيِّنَة. وَمَا أَعْطَاهُم مَالك ذَلِك، إِلَّا بسيئة الْحَال الَّتِي عَلَيْهِم من أنفسهم بِالْفَسَادِ؛ فَكَانَت حَالهم السَّيئَة فِي السَّعْي فِي الأَرْض، بِغَيْر الْحق بَيِّنَة عَلَيْهِم. وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُول فِي الظَّالِم الْمَعْرُوف بِأخذ أَمْوَال النَّاس، واستباحتها لغير حق؛ ويردد قَول عمر بن عبد الْعَزِيز: تحدث للنَّاس أقضية بِقدر مَا أَحْدَثُوا من الْفُجُور، وَلَا فجور أعظم من الظُّلم والتسلط على أَمْوَال النَّاس وأبشارهم بِغَيْر الْحق؛ وَقد جعل الله عَلَيْهِم بذلك السَّبِيل فَقَالَ:" إِنَّمَا السَّبِيل على الَّذين يظْلمُونَ النَّاس، ويبغون فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق ". فَإِذا كَانَ للمظلوم سَبِيل، فَالْقَوْل قَوْله وعَلى الْمُدعى عَلَيْهِ؛ فَإِن الْبَيِّنَة فِي لِسَان الْعَرَب مُشْتَقَّة من الْبَيَان، فكيفما تبين الْأَمر، فَهُوَ بَيِّنَة كُله،