وَكَانَ من أهل السرابة فِي الْحق، والشدة، وَالْقُوَّة على الظَّالِمين، والرفق بالمساكين. ثمَّ صرف عَن الْقَضَاء وَأَقْبل على نشر الْعلم وبثه. قَالَ الْمُحدث أَبُو الْقَاسِم خلف بن عبد الْملك: قَرَأت عَلَيْهِ بإشبيلية؛ وَسَأَلته عَن مولده؛ فَقَالَ لي: ولدت لَيْلَة الْخَمِيس لثمان بَقينَ من شعْبَان سنة ٤٦٨. وَتُوفِّي رَحمَه الله! بالعدوة. وَدفن بِمَدِينَة فاس فِي ربيع الآخر سنة ٥٤٣. وَفِي تَكْمِلَة الْمُحدث أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن الْأَبَّار، عَن أبي عبد الله بن مُجَاهِد الاشبيلي الزَّاهِد العابد، أَنه لَازم القَاضِي أَبَا بكر بن الْعَرَبِيّ نَحْو ثَلَاثَة أشهر، ثمَّ تخلف عَنهُ. فَقيل لَهُ فِي ذَلِك؛ فَقَالَ: كَانَ يدرس، وَبغلته عِنْد الْبَاب، ينْتَظر الرّكُوب إِلَى السُّلْطَان. وَذكره الْأُسْتَاذ أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن الزبير فِي صلته وَقَالَ فِيهِ: رَحل مَعَ أَبِيه أبي مُحَمَّد، عِنْد انْقِرَاض الدولة العبادية، إِلَى الْحَج سنة ٤٨٥؛ وَسنة إِذْ ذَاك نَحْو سَبْعَة عشر عَاما. فلقي شُيُوخ مصر وَعدد لنا أُنَاسًا. ثمَّ قَالَ: وَقيد الحَدِيث، وَضبط مَا روى، واتسع فِي الرِّوَايَة، وتقن مسَائِل الْخلاف وَالْأُصُول وَالْكَلَام على أيمة هَذَا الشَّأْن. وَعَاد إِلَى بَغْدَاد بعد دُخُولهَا، وَانْصَرف إِلَى مصر؛ فَأَقَامَ بالإسكندرية؛ فَمَاتَ أَبوهُ بهَا، أول سنة ٤٩٣. ثمَّ انْصَرف إِلَى الأندلس؛ فسكن بَلَده إشبيلية؛ وشوور فِيهِ، وَسمع، ودرس الْفِقْه وَالْأُصُول، وَجلسَ للوعظ وَالتَّفْسِير، وصنف فِي غير فن تسانيف مليحة حَسَنَة، مفيدة. وَولى الْقَضَاء مُدَّة، أَولهَا رَجَب من سنة ٥٣٨؛ فنفع الله لصرامته، ونفوذ أَحْكَامه. وَالْتزم الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، حَتَّى أوذي فِي ذَلِك بذهاب كتبه وَمَاله؛ فَأحْسن الصَّبْر على ذَلِك كُله. ثمَّ صرف من الْقَضَاء، وَأَقْبل على نشر الْعلم وبثه. وَكَانَ فصيحاً، حَافِظًا، أديباً، شَاعِرًا، كثير الْملح، مليح الْمجْلس. ثمَّ قَالَ: قَالَ القَاضِي أَبُو الْفضل عِيَاض بن مُوسَى وَقد وَصفه بِمَا ذكرته ثمَّ قَالَ: ولكثرة حَدِيثه وأخباره، وغريب حكاياته ورواياته، أَكثر النَّاس فِيهِ الْكَلَام؛ وطعنوا فِي حَدِيثه. وَتُوفِّي مُنْصَرفه من مراكش؛ من الوجهة الَّتِي توجه مِنْهَا مَعَ أهل بَلَده إِلَى الحضرة؛ بعد دُخُول مَدِينَة إشبيلية؛ فحبسوه بمراكش نَحْو عَام؛ ثمَّ سرحوه؛ فَأَدْرَكته منيته بطريقه على مَقْبرَة من فاس بمرحلة؛ وَحمل مَيتا إِلَى مَدِينَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute