للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر القَاضِي أبي الْقَاسِم الْخضر بن أبي الْعَافِيَة

وَمِنْهُم الْخضر بن أَحْمد بن أبي الْعَافِيَة الْأنْصَارِيّ، يكنى أَبَا الْقَاسِم وَيعرف بِابْن أبي الْعَافِيَة، من أهل غرناطة. وَكَانَ رَحمَه الله {من صُدُور الْقُضَاة، وجهابذة النُّحَاة، وَأهل النّظر والعكوف على الطّلب، حَتَّى صَار مضطلعاً بنوازل الْأَحْكَام، مهتدياً لاستخراج غرائب النُّصُوص. نسخ بِيَدِهِ الْكثير، وَقيد من الْمسَائِل، فَعرف فَضله، وبهر نبله، واستشاره الْقُضَاة فِي المشكلات، واستظهروا بنظره عِنْد الْمُهِمَّات. وَكَانَ بَصيرًا بِعقد الشُّرُوط، ظريف الْخط، بارع الْأَدَب، مكثراً من النّظم؛ وَمن ذَلِك قَوْله: لي دين على اللَّيَالِي قديم ... ثَابت الرَّسْم مُنْذُ خمسين حجَّة أبعاد وبالحكم بعد عَلَيْهَا ... أم لَهَا عَن تقادم الْعَهْد حجَّة وَتُوفِّي رَحمَه الله} قَاضِيا ببرجة؛ وسيق إِلَى غرناطة. فَدفن بِبَاب إلبيرة عصر يَوْم الْأَرْبَعَاء آخر يَوْم من ربيع الأول عَام ٧٤٥. وَقد أَجَابَهُ على بيتيه الْمَذْكُورين طَائِفَة من الأفاضل بِقطع من الشّعْر الرَّائِق. وإنهما لمن نمط الظريف. وَلقَائِل إِن يَقُول: بل هما من الْكَلَام الضَّعِيف المنقود على مثل الْفَقِيه، فَإِنَّهُ إِن كَانَ قد أَرَادَ بِالدّينِ الَّذِي زَعمه على اللَّيَالِي، مَا نَوَاه من التَّوْبَة! وحَدثني بِنَحْوِ هَذَا الْغَرَض عَنهُ بعض الْأَصْحَاب، وَذكر لي أَنه أخبرهُ بذلك عَن نَفسه أَيَّام حَيَاته. فالملام إِذا مُتَوَجّه عَلَيْهِ لأجل تفريطة وانحلال عزيمته. وَبَيَان ذَلِك أَن التَّوْبَة فرض بِإِجْمَاع الْأمة فِي كل وَقت وعَلى كل حَال من كل ذَنْب أَو تَقْصِير، فِي كَمَال أَو غَفلَة؛ وحالها حَال الشَّيْء الَّذِي يُتَاب مِنْهُ، فَإِن كَانَ الْوَاقِع حَرَامًا، كَانَت التَّوْبَة على الْفَوْر إِلَى تَمام المقامات فَمن أَخّرهَا زَمَانا، عصى بِالتَّأْخِيرِ فَيحْتَاج إِلَى تَوْبَة من تَأْخِير التَّوْبَة. وَكَذَلِكَ يلْزم على تَأْخِير كل مَا يجب تَقْدِيمه. فعلى هَذَا التَّقْدِير، تَأْخِير الشَّيْخ التَّوْبَة مُدَّة من خمسين سنة وإصراره على الذَّنب ذنبان مضافان إِلَى الْخَطِيئَة. وَإِن كَانَ إِنَّمَا أَرَادَ الملحة والتورية بالديون الَّتِي تكلم عَلَيْهَا الْفُقَهَاء فِي بَاب الْمُعَامَلَات من غير الْتِفَات مِنْهُ لغَرَض معِين، فَكَانَ من حَقه أَن

<<  <   >  >>