للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد السَّلَام المنستيري

وَمن الْقُضَاة بِحَضْرَة تونس، وصدور علمائها فِي زَمَانه، الشَّيْخ الْفَقِيه الْمدرس، أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد السَّلَام المنستيري، مَنْسُوب لقري بظاهرها. وَهُوَ مِمَّن برع فِي المعقولات، وَقَامَ على حفظ المنقولات؛ وَعلم، وَفهم، وأدب، وهذب، وصنف كتبا، مِنْهَا شَرحه لمختصر أبي عَمْرو عُثْمَان بن عمر بن الْحَاجِب الفقهي، المتداول لهَذَا الْعَهْد بأيدي النَّاس. وَكَانَ رَحمَه الله {فِي أقضيته على نَحْو مَا وصف بِهِ. وَكِيع فِي كِتَابه للْقَاضِي إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق، حَيْثُ قَالَ: وَأما شدائده فِي الْقَضَاء، وَحسن مذْهبه فِيهِ، وسهولة الْأَمر عَلَيْهِ فِيمَا كَانَ يلتبس على غَيره، فشئ شهرته تغنى عَن ذكره، إِلَى مَا عرف بِهِ فِي قطره من الْقُوَّة على أَمر النَّاس، وَالِاسْتِخْفَاف بسخطهم، وملامتهم فِي حق الله، وَحفظ مَا يرجع لرسوم الْقَضَاء. وَمن ذَلِك عمله فِي العقد الَّذِي شهد فِيهِ جملَة من أَعْلَام الْمغرب، أَيَّام كَونهم بتونس عِنْد دُخُولهَا فِي الأيالة المرينية؛ فَرد شَهَادَتهم وَعُوتِبَ على ذَلِك؛ فَقَالَ: أَو لَيْسَ قد فروا من الزَّحْف، مَعَ توفر الْأَسْبَاب الْمَانِعَة لَهُم شرعا عَن الْوُقُوع فِي معرة الأدبار} وَيُشِير إِلَى الكائنة الشنعاء الَّتِي كَانَت لَهُم بِظَاهِر طريف مَعَ الرّوم عَام ٧٤١. وَمن أخباره أَنه، لما تغلب الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن تافرجين على مَدِينَة تونس دون قصبتها، عِنْد خُرُوج السُّلْطَان أبي الْحسن أَمِير الْمُسلمين عَنْهَا، بِقصد مدافعة وُفُود الْعَرَب العادية على أرْضهَا، فهزمت جيوشه، وَاسْتقر هُوَ وَمن بَقِي مَعَه من جنده محصوراً بداخل القيروان. فجَاء قي أثْنَاء ذَلِك يَوْم الْجُمُعَة؛ فَقَالَ المتغلب على الْأَمر للخطيب بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع بتونس: اخْطُبْ بدعوة الْأَمِير أبي الْعَبَّاس بن أبي دبوس من الْمُوَحِّدين {وَكَانَ فِي الْمَسْجِد القَاضِي ابْن عبد السَّلَام؛ فاقل: وَالسُّلْطَان المريني؟ فَرَاجعه الشَّيْخ بِأَنَّهُ فِي حكم الْحصار دَاخل القيروان بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيع الدفاع عَن نَفسه. قَالَ: فتلزم إِذا مناصرته، وَالْعَمَل على الْوَفَاء بِمَا شَرط لَهُ عِنْد مبايعته} فَرد عَلَيْهِ بِأَن

<<  <   >  >>