للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابْن جمَاعَة الْكِنَانِي؛ وَغَيرهم. وَكَانَ هَذَا الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم فِي قَضَائِهِ مَوْصُوفا بِالْفَضْلِ وَالْعدْل، مترفقاً بالضعفاء، متغاضياً عَن زلات الْفُقَهَاء. تقدم بجهات شَتَّى من الأندلس؛ ثمَّ ولى قَضَاء الْجَمَاعَة بِحَضْرَة غرناطة؛ فحمدت سيرته، وشكرت مداراته. وَكَانَ فِي نَفسه هيناً، لينًا، آخِذا بِمُقْتَضى قَول عِيسَى بن مِسْكين، القَاضِي بالقيروان أَيَّام أبي الْأَغْلَب، وَهُوَ: قَارب النَّاس فِي عُقُولهمْ، تسلم من غوائلهم {وَفِي تقلب الْأَحْوَال، علم جَوَاهِر الرِّجَال} توفّي رَحمَه الله {لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ الثَّالِث عشر لجمادى الأولى عَام ٧٦٧. وَولد بغرناطة فِي صفر عَام ٦٨٨. وعقبه لهَذَا الْعَهْد بِحَالَة نباهة؛ من أَوْلَاده من هُوَ مستول فِي خطة الْقَضَاء تولاهم الله، وخار لنا وَلَهُم بمنّه وفضله}

ذكر القَاضِي أبي عَمْرو عُثْمَان بن مُوسَى الْجَانِي

وَمن الْقُضَاة بِمَدِينَة ملى من أَرض الْحَبَشَة، الشَّيْخ الْفَقِيه أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن مُوسَى الْجَانِي، مَنْسُوب لبطن من بطُون السودَان. تردد إِلَى أَرض مصر؛ فَقَرَأَ بهَا، وَأخذ عَن أشياخها. أَخْبرنِي الْفَقِيه أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الساحلي الغرناطي أَنه لقِيه بِبَلَدِهِ، وَأَنه كَانَ من أهل الْفضل وَالْعدْل، وَالْقِيَام على الْعلم، والصرامة فِي الحكم. قَالَ الساحلي: وَمن ذَلِك نازلة حدثت لَهُ فِي أَحْكَام الدِّمَاء؛ فتحرى فِيهَا الْحق المخلص بَين يَدي الله. وَهِي أَن أحد بني عَم سُلْطَانه ترتبت قبله الْمُطَالبَة بِدَم قَتِيل كَانَ قد أشهد الْعُدُول، وَهُوَ جريح، بِأَن دَمه عِنْده، وَتُوفِّي إِثْر الشَّهَادَة عَن عصبَة من ولد وإخوة؛ فَقَامُوا طَالِبين من السُّلْطَان النّظر لَهُم فِي صَاحبهمْ؛ فَاسْتَحْضرهُ عَن أمره بِمَجْلِس الحكم الشَّرْعِيّ، وأعذر لَهُ فِيمَا استظهر بِهِ أَوْلِيَاء دم الْقَتِيل. فَادّعى الدّفع فِي ذَلِك، وتأجل آجالاً وسع فِيهَا عَلَيْهِ. وانفرضت الْأَيَّام، وقهرته الْأَحْكَام؛ فَشكى بِالْقَاضِي لسلطانه، وَسَأَلَ مِنْهُ الْأَخْذ مَعَ الْفُقَهَاء فِي قَضيته؛ وَقد كَانَ صانعهم بِجهْدِهِ، وَاسْتظْهر بِإِثْبَات عداوته بَينه وَبَين من رَمَاه بدمه. فَجَمعهُمْ الْأَمِير بِحَضْرَتِهِ، وَأخذ مَعَهم فِي نازلة ابْن عَمه؛ فَوَقع الِاتِّفَاق مِنْهُم على الْأَخْذ بِمذهب الشَّافِعِي، أَنه لَا يقسم بِمُجَرَّد قَول الْمُصَاب: دمي عِنْد

<<  <   >  >>