للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَكَانَ صَلِيب الْقَنَاة، قَلِيل المبالاة بالعتب فِي سَبِيل الْحق؛ وَكَانَ، إِذا أشكل عَلَيْهِ أَمر من أَحْكَامه، كتب فِيهِ إِلَى أصبغ بن الْفرج ونظرائه بِمصْر: فكشفهم عَن وَجه مَا يُرِيد علمه؛ فيحقق عَلَيْهِ ذَلِك فُقَهَاء الأندلس. وَكَانَ هُوَ قَلِيل الرِّضَا عَن طلبه قرطبة، شَدِيد التقضي عَلَيْهِم، لَا يلين لَهُم فِي شَيْء مِمَّا يُرِيدُونَ، وَلَا يصغى إِلَيْهِم؛ وَبلغ من تجاهله عَلَيْهِم أَن سجل بالسخطة على تِسْعَة عشر مِنْهُم؛ فنفروا عَنهُ بأجمعهم. ونشأت بَينه وَبَين يحيى بن يحيى لأجل ذَلِك عَدَاوَة؛ فسعى فِي عَزله عِنْد الْأَمِير، وَأقَام عَلَيْهِ بِمَا زَعمه الشُّهُود: فَعَزله. وَلما احْتضرَ ابْن معمر، وَهُوَ بِبَلَد إشبيلية، وأيقن بِالْمَوْتِ، قَالَ لمولى لَهُ، على مَا حَكَاهُ الزَّاهِد عُثْمَان بن سعيد أَقْسَمت عَلَيْك، إِذا أَنا مت، إِلَّا مَا ذهبت إِلَى قرطبة؛ فقف بِيَحْيَى بن يحيى، وَقل لَهُ: يَقُول لَك ابْن معمر: " وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون {. " فَفعل ذَلِك مَوْلَاهُ لما مَاتَ سَيّده، وَبلغ يحيى مَا تقرعه بِهِ. قَالَ: فَبكى وَقَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} مَا أَظن الرجل إِلَّا خدعنَا فِيهِ ثمَّ ترحم عَلَيْهِ، واستغفر لَهُ {

ذكر القَاضِي المصعب بن عمرَان

وَقد تقدم الْكَلَام فِي إباية المصعب بن عمرَان عَن الْقَضَاء، أَيَّام خلَافَة الْأَمِير عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة. فَلَمَّا ولى ابْنه هِشَام الْملك، اخْتَار المصعب للْقَضَاء، واستحضره، وَقَالَ لَهُ: قد علمت أَنه إِنَّمَا مَنعك عَن الْقبُول من أبي رَحمَه الله} الْأَخْلَاق الَّتِي كَانَت فِيهِ. وَقد عرفت أخلاقي وبلوتها: فاحمل عني هم الْقَضَاء {فأباه واستعفاه؛ فَغَضب هِشَام عَلَيْهِ عزماً شَدِيدا، وتهدده، وأوعده. وَذكر بَعضهم أَنه قَالَ: لَئِن لم تعْمل على الْقَضَاء، لأسطون بك سطوة تزيل اسْم الْحلم عني} فَلَمَّا رأى ذَلِك، وَخَافَ على نَفسه، تولى لَهُ الْعَمَل كرها؛ وَاشْترط على هِشَام أَن يَأْذَن لَهُ فِي اطلَاع ضيعته يَوْمَيْنِ فِي الْجُمُعَة: السبت والأحد، وَيحكم لسَائِر الْأَيَّام. فَأَجَابَهُ إِلَى

<<  <   >  >>