ذكر مُنْذر بن سعيد ونبذ من أخباره
قَالَ ابْن عفيف: هُوَ مُنْذر بن سعيد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن قَاسم بن عبد الْملك ابْن نجيح النفري، ثمَّ الكزني. فَأول الْأَسْبَاب فِي مَعْرفَته بالناصر الْخَلِيفَة، وزلفاه لَدَيْهِ، أَن النَّاصِر لدين الله، لما احتفل فِي الْجُلُوس لدُخُول رَسُول ملك الرّوم الْأَعْظَم، صَاحب الْقُسْطَنْطِينِيَّة عَلَيْهِ، بقصر قرطبة، الاحتفال الَّذِي شهد ذكره فِي النَّاس، أحب أَن يُقيم الخطباء وَالشعرَاء بَين يَدَيْهِ بِذكر جلالة مَقْعَده، وَوصف مَا تهَيَّأ لَهُ من توطيد الْخلَافَة فِي دولته. وَتقدم إِلَى الْأَمِير الحكم ابْنه وَولي عَهده بإعداد من يقوم بذلك من الخطباء ويقدمه أَمَام نشيد الشُّعَرَاء فَأمر الحكم صنيعته الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الْبر من الكسنياني بالتأهب لذَلِك، وإعداد خطْبَة بليغة، يقوم بهَا بَين يَدي الْخَلِيفَة. وَكَانَ يَدعِي من الْقُدْرَة على تأليف الْكَلَام مَا لَيْسَ فِي وَسعه. وَحضر الْمجْلس السلطاني. فَلَمَّا قَامَ يحاول التَّكَلُّم بِمَا رَوَاهُ، بهره هول الْمقَام وابهه الْخلَافَة؛ فَلم يهتد إِلَى لَفظه، بل غشي عَلَيْهِ، وَسقط إِلَى الأَرْض. فَقيل لأبي عَليّ الْبَغْدَادِيّ إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم، صَنِيعَة الْخَلِيفَة وأمير الْكَلَام: قُم {فارقع هَذَا الوهى} فَقَامَ؛ فَحَمدَ الله، وَأثْنى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله وَصلى على نِيَّته مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ثمَّ انْقَطع بِهِ القَوْل؛ فَوقف ساكتاً مفكراً فِي كَلَام يدْخل بِهِ إِلَى ذكر مَا أُرِيد مِنْهُ. فَلَمَّا رأى ذَلِك مُنْذر بن سعيد وَكَانَ مِمَّن حضر فِي زمرة الْفُقَهَاء، قَامَ من ذَاته؛ فوصل افْتِتَاح أبي عَليّ لأوّل خطبَته بِكَلَام عَجِيب، وَفصل مُصِيب، يسحه سَحا، كَأَنَّمَا يحفظه قبل ذَلِك بِمدَّة، وَبَدَأَ من الْمَكَان الَّذِي انْتهى إِلَيْهِ أَبُو عَليّ الْبَغْدَادِيّ. فَقَالَ: أما بعد حمد الله، وَالثنَاء عَلَيْهِ، والتعداد لآلائه، وَالشُّكْر لنعمائه، وَالصَّلَاة على مُحَمَّد صَفيه وَخَاتم أنبيائه، فَإِن لكل حَادِثَة مقَاما، وَلكُل مقَام مقَالا، وَلَيْسَ بعد الْحق إِلَّا الضلال. وَإِنِّي قد قُمْت فِي مقَام كريم، بَين يَدي ملك عَظِيم؛ فأصغوا إِلَيّ معشر الْمَلأ} بأسماعكم وأيقنوا عني بأفئدتكم؛ إِن من الْحق أَن يُقَال للمحق: صدقت؟ وللمبطل: كذبت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute