وَمن المرسوم لَهُ عِنْد ذَلِك مَا نَصه: وَبعد، فَإنَّا قد فرغناك بُرْهَة من الدَّهْر لشأنك، وَأَرْسَلْنَا على وَجهه الترفيه زَمَانا من عنانك؛ وَحين علمنَا أَنَّك قد أخذت لحظك من الْإِجْمَاع، وَدَار بتودعك وراحتك دور الْأَيَّام، خيرناك لخطة الْقَضَاء ثَانِيَة بزمانك، وأعدناك إِلَى سيرتك الأولى من لزامك؛ وقلدناك بعد استخارة الْقَضَاء بَين أهل غرناطة وأعمالها أَمنهم الله وحرسها {للثقة المكينة بإيمانك، والمعرفة الثاقبة بمكانك؛ فتقلد معاناً مُسَددًا مَا قلدناك، وانهض نهوض مُسْتَقل بِمَا حملناك؛ وتلق ذَلِك بانشراح من صدرك، وانبساط من نَفسك وفكرك، وقم فِي الْخطْبَة مقَام مثلك مِمَّن استحكمت سنه وَرجح حلمه، وكفه عَن التهافت ورعه وَعلمه. وَلَيْسَ هَذِه بِأول ولايتك لَهَا، فنبتدئ بوصيتك ونعيد، ونأخذ بِالْقيامِ بِحَقِّهَا الْعَهْد الْمُوفق السديد؛ بل، قد سلفت فِيهِ أيامك، وشكر فِيهَا مقامك، واستمرت على سنَن الْهدى أحكامك؛ فَذَلِك الشَّرْط عَلَيْك مَكْتُوب، وَأَنت بِمثلِهِ من إِقَامَة الْحق مَطْلُوب. وَإِنَّا على مَا نعلمهُ من جميل نظرك، واعتدال سيرك، لم نر أَن نقفل توصيتك بحكام الأنظار القاصية عَنْك، والقريبة مِنْك؛ فَلَا تنصر فِيهَا إِلَّا من كثر الثَّنَاء عَلَيْهِ، وأشير بالثقة إِلَيْهِ. ولتكن رقيباً على أَعْمَالهم، وسائلاً عَن أَحْوَالهم؛ فنم بطئ بِهِ سَعْيه، وساء فِيمَا تولاه نظره ورأيه، أظهرت سخطته، وأعلنت فِي النَّاس جرحته. فَذَلِك يعدل جَانب سواهُ، ويشربه النَّصِيحَة فِيمَا يَتَوَلَّاهُ} وتأريخ هَذَا الْمَكْتُوب أَوَائِل شهر رَمَضَان الْمُعظم الَّذِي من عَام ٥٢٤.
ذكر القَاضِي أبي الْوَلِيد مُحَمَّد بن أَحْمد بن رشد
وَمِنْهُم مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَحْمد بن رشد. ذكره ابْن بشكوال فَقَالَ: قَاضِي الْجَمَاعَة بقرطبة، وَصَاحب الصَّلَاة بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع بهَا؛ يكنى أَبَا الْوَلِيد. روى عَن أبي جَعْفَر أَحْمد ابْن رزق، وتفقه مَعَه، وَعَن أبي مَرْوَان بن سراج، وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن خيرة، وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن فرج، وَأبي عَليّ الغساني؛ وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس العذري مَا رَوَاهُ. وَكَانَ فَقِيها عَالما، حَافِظًا للفقه، مقدما فِيهِ على جَمِيع أهل عصرهن عَارِفًا للْفَتْوَى على مَذْهَب مَالك وَأَصْحَابه، بَصيرًا بأقوالهم واتفاقهم وَاخْتِلَافهمْ، نَافِذا فِي علم الْفَرَائِض وَالْأَحْوَال، من أهل