للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرياسة فِي الْعلم والبراعة والفهم، مَعَ الدّين وَالْفضل وَالْوَقار والحلم، والسمت الْحسن، وَالْهدى الصَّالح. سَمِعت الْفَقِيه أَبَا مَرْوَان عبد الحكم بن مَسَرَّة يَقُول: شاهدت شَيخنَا القَاضِي أَبَا الْوَلِيد يَصُوم يَوْم الْجُمُعَة فِي الْحَضَر وَالسّفر. وَمن تواليفه كتاب الْمُقدمَات لأوائل كتاب الْمُدَوَّنَة وَكتاب الْبَيَان والتحصيل، لما فِي المستخرجة من التَّوْجِيه وَالتَّعْلِيل، واختصار المبسوطة، واختصار مُشكل الْآثَار للطحاوي، إِلَى غير ذَلِك من تواليفه؛ سمعنَا عَلَيْهِ بَعْضهَا، وَأَجَازَ لنا سائرها. وتقلد الْقَضَاء بقرطبة، وَسَار فِيهِ بِأَحْسَن سيرة، وأقوم طَريقَة. ثمَّ استعفى عَنهُ؛ فأعفى، وَنشر كتبه وتواليفه، ومسائله وتصانيفه. وَكَانَ النَّاس يلجؤون إِلَيْهِ، ويعولون فِي مهماتهم عَلَيْهِ. وَكَانَ حسن الْخلق، سهل اللِّقَاء، كثير النَّفْع لخاصته وَأَصْحَابه، جميل الْعشْرَة لَهُم، حَافِظًا لعهدهم، كثير الْبر بهم. وَتُوفِّي عَفا الله عَنهُ! لَيْلَة الْأَحَد الْحَادِي عشر من ذِي الْقعدَة سنة ٥٢٠؛ وَدفن عشي يَوْم الْأَحَد بمقبرة الْعَبَّاس؛ وَصلى عَلَيْهِ ابْنه أَبُو الْقَاسِم، وشهده جمع عَظِيم من النَّاس. وَكَانَ الثَّنَاء عَلَيْهِ حسنا جميلاً. ومولده فِي شَوَّال سنة ٤٥٠. وَقد كَانَ أَيَّام حَيَاته توجه إِلَى الْمغرب، إِثْر الكائنة الَّتِي كَانَت بَين الْمُسلمين وَالنَّصَارَى بالموضع الْمَعْرُوف بالرنيسول، وَذَلِكَ منتصف شهر صفر عَام ٥٢٠. فاستخار القَاضِي أَبُو الْوَلِيد فِي النهوض إِلَى الْمغرب؛ مُبينًا على أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف بن تأشفين بالجزيرة عَلَيْهِ. فوصل إِلَيْهِ؛ فَلَقِيَهُ أكْرم لِقَاء، وَبَقِي عِنْده أبر بَقَاء، حَتَّى استوعب فِي مجَالِس عدَّة إبراد مَا أزعجه إِلَيْهِ، وتبيين مَا أوفده عَلَيْهِ، فَاعْتقد مَا قدره لَدَيْهِ، والفصل عَنهُ، وَعَاد إِلَى قرطبة؛ فوصلها آخر جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة. وعَلى إِثْر ذَلِك أَصَابَته الْعلَّة الَّتِي أضجعته، إِلَى أَن أفضت بِهِ إِلَى قَضَاء نحبه، ولقاء المرتقب من محتوم لِقَاء ربه. وتبارى الأدباء وَالشعرَاء فِي تأبينه، وَحقّ لَهُم ذَلِك رَضِي الله عَنهُ وأرضاه

<<  <   >  >>