عرض لَهُ كتاب رسم فِي قَضِيَّة نزلت بِهِ؛ فنقده القَاضِي ومطل فِي تخليصه؛ فتحيل على أَن كتب بحائط مجْلِس القَاضِي مَا نَصه: بسبتة قَاض حضرمي إِذا انتسب ... وَفِي حَضرمَوْت الشؤم واللوم بِالنّسَبِ فَمن شؤمه لَا يثبت العقد عِنْده ... وَمن لومه يَرْمِي أولى الْفضل بالريب فَلَمَّا وَقعت عين القَاضِي على الْمَكْتُوب وتفهمه، أَمر بإزالته، وَأمْسك عَن عنانه، وَأخذ فِي إصْلَاح شَأْنه، وَترك الْبَحْث عَن ناظم الْبَيْتَيْنِ وكاتبهما بِخَط يَده. واستمرت أَيَّام ولَايَته إِلَى أَن تصير أَمر بَلَده إِلَى الإيالة النصرية، فِي أَوَاخِر عَام ٧٠٥؛ فصرف إِلَى غرناطة مَعَ سَائِر أَقَاربه بني العزفي فوصلها، وَأقَام بهَا وَابْنه الْكَاتِب البارع، أَبُو مُحَمَّد عبد الْمُهَيْمِن؛ ثمَّ أذن لَهُ فِي الِانْتِقَال إِلَى وَطنه؛ فَعَاد إِلَيْهِ، وَقد أحدث مِنْهُ السن، وَأَقْعَدَهُ الْكبر؛ فَلم يبرح بعد عَنهُ إِلَى أَن توفّي غرَّة صفر من عَام ٧١٢.
ذكر القَاضِي أبي إِسْحَاق الغافقي
وَمِنْهُم إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن عِيسَى بن الغافقي الاشبيلي؛ يكنى أَبَا إِسْحَاق، وَيعرف أَيْضا بنسبته إِلَى غافق؛ أستاذ الطّلبَة، وَإِمَام الحلبة. خرج عَن بَلَده إشبيلية، عِنْد تغلب الرّوم عَلَيْهَا، وَذَلِكَ سنة ٦٤٦؛ فلازم الشَّيْخ أَبَا الْحسن بن أبي الرّبيع، وتصدر بعد وَفَاته للأفراء فِي مَكَانَهُ، فَأخذ عَنهُ الْكَبِير وَالصَّغِير. ولي الْقَضَاء بسبتة نِيَابَة، ثمَّ اسْتِقْلَالا؛ وَكَانَ وَاحِد عصره، وفريد قطره، وعمدة طلبته الموثوقين بِمَا اسْتُفِيدَ فِي مَجْلِسه من فنون الْعُلُوم. أَخذ علم الْعَرَبيَّة على صدر النجَاة ابْن أبي الرّبيع الْمَذْكُور، والقرءات عَن الْأُسْتَاذ أبي الْحسن بن الخضار؛ وروى عَن الْمسند المسن أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن سُلَيْمَان، والأديب الفرضي أبي الحكم مَالك بن المرحل المالقي، وَالْقَاضِي أبي عبد الله بن قَاضِي الْجَمَاعَة أبي مُوسَى عمرَان بن عمرَان، إِلَى أُمَم من أهل الْمشرق وَالْمغْرب والأندلس. وَدون فِي علم الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا كتبا نافعة. وَتُوفِّي قَاضِيا رَحمَه الله! آخر شهر ذِي الْقعدَة من عَام ٧١٦. وَعَلِيهِ اعْتمد شَيخنَا الْوَلِيّ الْمُقْرِئ أَبُو الْقَاسِم بن يحيى بن مُحَمَّد