للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصَّحِيح: من ابْتغى الْقَضَاء، واستعان عَلَيْهِ بالشفعاء، وكل إِلَى نَفسه؛ وَمن أكره عَلَيْهِ، أنزل الله عَلَيْهِ ملكا يسدده. وَمِنْه: من مَال إِلَى الْإِمَارَة وكل إِلَيْهَا، وَمَعْنَاهُ: لم يعن على مَا يتعاطاه؛ والمتعاطى أبدا مقرون بِهِ الخذلان؛ فَمن دعِي إِلَى عمل، أَو إِمَامه فِي الدّين، فَقص نَفسه على تِلْكَ الْمنزلَة، وهاب أَمر الله، رزقه الله المعونة. وَهَذَا مَبْنِيّ على من تواضع لله، رَفعه الله. فَمن الْوَاجِب على كل من ابتلى بِالْقضَاءِ أَن يكثر من التذلل لله، والمراقبة لَهُ عِنْد أَمر وَنَهْيه، وَالْأَخْذ بالشفقة على عباده. فقد ثَبت فِي الصَّحِيح عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَنه قَالَ: " اللَّهُمَّ} من ولى من أَمر أمتِي شَيْئا فشق عَلَيْهِم، فأشفق عَلَيْهِ {وَمن ولى من أَمر أمتِي شَيْئا فرفق بهم، فارفق بِهِ} " وكل قَاض مَطْلُوب مِنْهُ أَن يحكم بِالْعَدْلِ على نَفسه وعَلى غَيره، وَأَن يعْتَقد أَنه حَاكم فِي ظَاهره، مَحْكُوم عَلَيْهِ فِي بَاطِنه. روى اللَّيْث بن سعد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَنه قَالَ: من ولى ولَايَة، فَأحْسن فِيهَا أَو أَسَاءَ، أَتَى بِهِ يَوْم الْقِيَامَة، وَقد غلت يَمِينه إِلَى عُنُقه؛ فَإِن كَانَ عدلا فِي أَحْكَامه، أطلق من أغلاله وَجعل فِي ظلّ عرش الرَّحْمَن؛ وَإِن كَانَ غير عدل فِي أَحْكَامه، غلت شِمَاله إِلَى يَمِينه، فيسبح فِي عرقه حَتَّى يغرق فِي جَهَنَّم. وَلما تقرر من بلَاء الْقَضَاء، فرَّ عَنهُ كثير من الْفُضَلَاء وتغيبوا، حَتَّى تركُوا. وسجن بِسَبَبِهِ عِنْد الِامْتِنَاع آخَرُونَ، مِنْهُم أَبُو حنيفَة، وَهُوَ النُّعْمَان بن ثَابت، دَعَاهُ عمر بن هُبَيْرَة للْقَضَاء؛ فَأبى؛ فحبسه وضربه أَيَّامًا، كل يَوْم عشرَة أسواط، وَهُوَ متماد على ابايته إِلَى أَن تَركه. وَقد نقل عَن عُثْمَان بن عَفَّان أَنه قَالَ لعبد الله بن عمر بن الْخطاب: اقْضِ بَين النَّاس. قَالَ: لَا أَقْْضِي بَين رجلَيْنِ مَا بقيت} قَالَ: لتفعلن {لَا أفعل} فَإِن أَبَاك كَانَ يقْضِي. قَالَ: كَانَ أبي أعلم مني وأنقى! وَمن غَرِيب مَا يحْكى عَن مسلمة بن زرْعَة، وَقد تكلم فِي تباعات الْقَضَاء، أَنه قَالَ رَأَيْت فِي الأندلس قَاضِيا يدعى مهَاجر بن نَوْفَل الْقرشِي، مَا رَأَيْت مثله فِي الْعِبَادَة والورع. وَلَقَد بَلغنِي فِي مَوته أعظم الْعجب. أَخْبرنِي بِهِ ثِقَات من أهل بَلَده. وَذَلِكَ أَنه لما مَاتَ دفن فِي مقبرتهم لَيْلًا، وَأَظنهُ عهد بذلك، فَلَمَّا أهيل التُّرَاب عَلَيْهِ،

<<  <   >  >>