للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القَاضِي من الْإِكْثَار من الشُّهَدَاء التَّوَثُّق لتحصل الْبَرَاءَة المتحققه لَهُ وَلغيره، فقد يجمع أَرْبَعَة من الضُّعَفَاء فِي رسم وَاحِد. فَلَزِمَ إِذا مرتكب هَذَا النّظر الْإِمْسَاك عَن خطاب مثل هَذَا الرَّسْم، إِلَى غير ذَلِك من المضار الْمُتَعَلّقَة بِهِ فَلم يثن الشَّيْخ أَبَا بكر بن مَسْعُود شَيْء من هَذَا كُله من غَرَضه، وَاسْتمرّ على ذَلِك مُدَّة قَضَائِهِ. وَكَانَ لَهُ من أَخِيه أبي الْحسن، وَزِير الدولة الإسماعيلية وعميد الْبَلدة، ردء كثير على إنقاذ الْأَحْكَام، ومصادمة أساطين الرِّجَال. وَنَفر بعض أهل الْمَدِينَة عِنْد التخاصم عِنْده، تقيه من تعاظم شدته واتصال عبوسته؛ وَجرى لَهُ فِي ذَلِك مَعَ القَاضِي بربض البيازين كَلَام حَاصله أَن طلب مِنْهُ الِاقْتِصَار بِالنّظرِ على جِهَته، رفعا للتشويش عَن الْخُصُوم. وَالْمَنْصُوص جَوَاز قاضيين فِي بلد وَاحِد وَأكْثر، كل مُسْتَقل ومختص بناحيته، وَإِنَّمَا الْمَمْنُوع شَرط الِاتِّفَاق فِي كل حكم، لاخْتِلَاف الْأَغْرَاض، وَتعذر الِاجْتِمَاع. وَقد تقدم الشبيه على ذَلِك عِنْد التَّكَلُّم فِي شُرُوط الْقَضَاء. ثمَّ إِذا تنَازع الخصمان فِي الِاخْتِيَار، حَيْثُ قُلْنَا بِالْجَوَازِ، وازدحم متداعيان، فالقرعة. قَرَأَ على الْأُسْتَاذ أبي جَعْفَر بن الزبير، وَابْن الطلاع، وَابْن أبي الْأَحْوَص، وَاسْتعْمل فِي الرسَالَة إِلَى ملك الْمغرب عَام ٧٢٧، وَأقَام بِظهْر سلا؛ ثمَّ طرقه الْمَرَض، فتوفى هُنَالك يَوْم الْخَمِيس سَابِع ذِي قعدة من الْعَام الْمَذْكُور. وَدفن بالجبانة الْمَعْرُوفَة بشلة، خَارج رِبَاط الْفَتْح. ومولده لست خلت من شَوَّال عَام ٦٥٣. وَكَانَ رَحمَه الله! قد ترك نَائِبا عَنهُ فِيمَا كَانَ يَتَوَلَّاهُ من الْقَضَاء بغرناطة وَلَده الْفَقِيه أَبَا يحيى. فحين بلغه أَنه توفّي بِحَيْثُ ذكر، اسْتَقل بعده وَلَده بِالْولَايَةِ، واستكملت لَهُ ألقاب الخطة، وَجرى على طَريقَة أَبِيه من الجزالة والصرامة، فِي استخلاص الْحُقُوق، وَنصر الْمَظْلُوم، وقهر الظلوم. وَكَانَ فِي نَفسه شجاعاً، فَارِسًا، مقدما، جليل الْهَيْئَة، نبيه الشارة، رائق الأبهة، يبرز عِنْد الْقِتَال فِي مصَاف صُدُور الْأَبْطَال؛ فَيحسن دفاعه، ويجمل عناده. وَلما ضايقت الرّوم مَدِينَة المرية، وَكَانَ أَبوهُ الشَّيْخ أَبُو بكر مِمَّن شَمله الْحصار بهَا، كَمَا تقدم، شقّ أَبُو يحيى محلّة الْعَدو لَيْلًا، وتحيل وصل إِلَى سور الْبَلَد، وَأَعْلَى حرسته باسمه، فسر الْمُسلمُونَ بتخلصه، وانتفع هُنَالك أَبوهُ. وَبَقِي هَذَا القَاضِي مُتَوَلِّيًا خطة الْقَضَاء

<<  <   >  >>