لَا مرْحَبًا بالناشز الفارك ... إِذْ جهلت رفْعَة مقدارك لَو أَنَّهَا قد أُوتيت رشدها ... مَا بَرحت تعشو إِلَى نارك أَقْسَمت بِالنورِ الْمُبين الَّذِي ... مِنْهُ بَدَت مشكاة أنوارك ومظهر الحكم الْحَكِيم الَّذِي ... يَتْلُو علينا طيب أخبارك مَا ألفت مثلك كُفؤًا وَلَا ... أوت إِلَى أكْرم من دَارك وَهَذِه الْقطعَة قد بلغت الْغَايَة من البراعة، وَتمكن البلاغة، وَإِن كَانَ فِي طي مَا تضمنته من وصف الخطة الشَّرْعِيَّة بالناشز الفارك، وبأنها لم تؤت رشدها مَا فِيهِ. ثمَّ إِن الْولَايَة حنت إِلَيْهِ، ووقفت مرادها عَلَيْهِ، فَعَاد إِلَيْهَا، وَالْعود أَحْمد. وَاسْتمرّ قِيَامه بهَا، إِلَى أَن هلك السُّلْطَان أَبُو الْحجَّاج مستقضيه، مَأْمُوما بِهِ، فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة من صَلَاة الْفطر عَام ٧٥٥ رَحمَه الله وأرضاه {عدا عَلَيْهِ شقي كَأَنَّهُ وَحشِي، فَضَربهُ بظهره، وَهُوَ ساجد لرَبه. وَولي الْأَمر بعد وَلَده الْخَلِيفَة الْمُؤَيد الْمَنْصُور أَبُو عبد الله أبقاه الله ووقاه} فجدد ولَايَته، وأكد رعايته؛ وَقد كَانَت رحى الوقيعة دارت على القَاضِي الْخَطِيب، وَهُوَ فِي محرابة حِين الكائنة؛ فعركته، وَلم تتركه، إِلَّا وَقد أشفى على التّلف؛ فعوجل بِإِخْرَاج الدَّم، وَعند ذَلِك تنفس عَنهُ بعض مَا وجده من الْأَلَم. وَكَانَ لَهُ فِي الْمجَالِس الملكية، والمجتمعات الجمهورية، من جلالة الأبهة وملازمة التؤدة، وإمساك النَّفس عَن المسارعة عِنْد الْمُخَالفَة إِلَى الْمُرَاجَعَة، مَا لم يكن لغيره من أهل طبقته؛ فَإِذا خلا بمنزله، أَدخل عَلَيْهِ فِي خَاصَّة أَصْحَابه. رَأَيْته؛ فَكَأَنَّهُ من تنزله، وتبدله، بِمَثَابَة أصاغر طلبته. وَكَثِيرًا مَا كَانَ يُبَاشر خدمَة الواردين عَلَيْهِ بِذَاتِهِ، دون وزعته، اقْتِدَاء بالأئمة الماضين من قبله فَمن كَلَامهم: لَيْسَ ينقص من الرجل الشريف أَن يخْدم ضَيفه، وَلَا أَن يتصاغر لسلطانه، وَأَن يتواضع لشيخه! وَلَقَد بتنا مَعَه لَيْلَة بحشه من خَارج الحضرة، فِي أنَاس مِنْهُم الشريف أَبُو عبد الله بن رَاجِح السُّوسِي، والأستاذ أَبُو عَليّ الزواوي، والوزير أَبُو عبد الله بن الْخَطِيب اللوشي، فمالت ذبالة الشمعة فِي أثْنَاء اللَّيْل إِلَى الذبول؛ فَذهب أحد الْحَاضِرين ليقويها؛ فأمسكه القَاضِي، وبادر هُوَ بِنَفسِهِ لَهَا؛ فأذكى نارها، وقوى نورها، وَقَالَ: هم السراج أَن يخمد لَيْلَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute