للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابْن لبَابَة لَا يُجِيز الشَّهَادَة على الْخط فِي شَيْء من الْأَشْيَاء، اسْتمرّ على ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ. وَهُوَ أحوط لحوالة الزَّمَان وَفَسَاد أَهله. وَشَهَادَة الْأَحْيَاء رُبمَا دَخَلتهَا الدواخل؛ فَكيف بِشَهَادَة الْمَوْتَى؟ وَفِي كتاب القَاضِي أبي الْأَصْبَغ بن سهل، وَقد قدر مسَائِل من هَذَا النَّوْع، وَقَالَ: من ضعف أَمر الْخط وَضعف الشَّهَادَة، أَن رجلا، لَو قَالَ، وَهُوَ قَائِم صَحِيح {هَذَا خطي} وَلست أذكر الْقِصَّة وَلَا أحفظ الْمَعْنى الَّذِي كتبت خطي فِيهِ {لما كَانَت شَهَادَة وَلَا جَازَت جَوَاز الْعلم وَالْقَبُول، فَكيف يأتى رجل إِلَى خطّ غَيره، وَيشْهد عَلَيْهِ، وَيقطع إِنَّه كِتَابه وَعَمله؛ فيمضي ذَلِك وَينفذ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْدِي: لَا أَقُول بِغَيْرِهِ، وَلَا أعتقد سواهُ؛ وَهُوَ دَلِيل الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا. ثمَّ قَالَ: لَا كنى أذهب إِلَى جَوَاز ذَلِك فِي الأحباس خَاصَّة، على مَا اتّفق عَلَيْهِ شُيُوخنَا رَحِمهم الله} اتبَاعا لَهُم، واقتداء بهم، واستحساناً لما درجت عَلَيْهِ جَمَاعَتهمْ، وَقضى بِهِ قضاتهم، وانعقدت بِهِ سجلاتهم. وَحسب الْمُجْتَهد منا اتِّبَاع السّلف؛ فقد أَجَازُوا غير مَا شَيْء على الِاسْتِحْسَان وَأخذُوا بِهِ بِالتَّخْفِيفِ؛ وَمَا أَجمعُوا على ذَلِك فِي الأحباس إِلَّا حيطة عَلَيْهَا، وتحصيناً أَن تحال عَن أحوالها، وَتغَير عَن سَبِيلهَا، واتباعاً لمَالِك وَأَصْحَابه فِي الْمَنْع من بيعهَا، والمناقلة بهَا، والمعاوضة فِيهَا، وَإِن خربَتْ، وَذهب الِانْتِفَاع بهَا. وَاحْتج ببقائها بِالْمَدِينَةِ خراباً، لَا تحال عَن وجوهها الَّتِي اثبتت فِيهَا؛ فَظَاهر اختيارهم هَذَا، على مَا ذكره ابْن سهل، يمْنَع من تَجْوِيز الشَّهَادَة على الْخط فِي التقية وَشبههَا، مِمَّا فِيهِ توهينها ونقضها؛ فَلَا يجوز إِذا الْعَمَل بِهِ، وَلَا يسوغ القَوْل بذلك، إِلَّا لمن اعْتقد جَوَاز الشَّهَادَة على الْخط مُطلقًا، وَلم يخص شَيْئا من شَيْء لَا حبسا وَلَا غَيره، وَخَالف مَا اتّفق عَلَيْهِ الشُّيُوخ، وَجرى بِهِ الْعَمَل. وَأما من ذهب مَذْهَبهم بتخصيص الأحباس بهَا، فَلَا يَصح لَهُ القَوْل بذلك فِي التقية، وَلَا فِي غَيرهَا. وَالله الْمُسْتَعَان {وَقد شافهت فِي ذَلِك بعض من لقِيت من الْعلمَاء؛ فَأَخْبرنِي أَن اخْتِيَاره إبِْطَال التقية، وَأَنه شَاهد الْقُضَاة بذلك. وَمن أَحْكَام ابْن جرير: قَالَ ابْن زرب: الشَّهَادَة على الْخط جَائِزَة فِي مَذْهَب مَالك رَحمَه الله} فِي جَمِيع الْأَشْيَاء. وَالَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل،

<<  <   >  >>