للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَدْرَكته وَسمعت كَلَامه فِي النّظر. وَكَانَ قد رأى أَبَا بكر الْبَصْرِيّ إِلَّا أَنه لم يسمع مِنْهُ شَيْئا. وَكَانَ فَقِيها متأدباً. وَخرج فِي آخر عمره إِلَى مصر؛ فَحصل لَهُ بهَا حَال من الدُّنْيَا. قَالَ عِيَاض بن مُوسَى: قَوْله لم أيسمع من أبي بكر غير صَحِيح، بل: قد حدث عَنهُ، وَأَجَازَهُ، وتفقه على كبار أَصْحَابه كَأبي الْحسن بن الْقصار، وَأبي الْقَاسِم بن الْجلاب. ودرس الْفِقْه وَالْكَلَام وَالْأُصُول على القَاضِي أبي بكر الباقلاني الْمُتَقَدّم الذّكر وَصَحبه وَألف فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَالْأُصُول تواليف بديعة مفيدة، مِنْهَا كتاب التَّلْقِين، وَكتاب شَرحه، وَكتاب شرح الرسَالَة والنصرة، لمَذْهَب دَار الْهِجْرَة، وَكتاب المعونة وأوائل الْأَدِلَّة، فِي مسَائِل الْخلاف بَين فُقَهَاء الْملَّة، وَكتاب الإشراف، على نكت مسَائِل الْخلاف، وَكتاب الإفادة فِي أصُول الْفِقْه، وَكتاب التَّلْخِيص فِيهِ، وَغير ذَلِك. وَعَلِيهِ تفقه أَبُو عمر وَأَبُو الْفضل الدِّمَشْقِي؛ وروى عَنهُ هَارُون الْفَقِيه، والمازري الْبَغْدَادِيّ، وَأَبُو بكر الْخَطِيب، وَجَمَاعَة من أهل الأندلس، مِنْهُم القَاضِي ابْن شماخ الغافقي، وَصَاحبه مهْدي بن يُوسُف، وَغير من ذكر. وَسبب خُرُوجه عَن حَضْرَة بَغْدَاد، كَلَام نقل عَنهُ أَنه قَالَه فِي الشَّافِعِي؛ وَطلب لأَجله؛ فَعجل بالفرار مِنْهَا، خَائفًا على نَفسه. قَالَ الشِّيرَازِيّ: وَأنْشد بعد ارتحاله عَنْهَا: سَلام على بَغْدَاد فِي كل موطن ... وَحقّ لَهَا مني السَّلَام المضاعف لعمرك مَا فارقتها عَن قلي لَهَا ... وَإِنِّي بشطي جانبيها لعارف ولاكنها ضَاقَتْ عَليّ برحبها ... وَلم تكن الأرزاق فِيهَا تساعف فَكَانَت كخل كنت أَهْوى دنوه ... وأخلاقه تنأى بِهِ وتخالف وَنسب لَهُ بَعضهم: وقائلةٍ لَو كَانَ ودك صَادِقا ... لبغداد لم ترحل فَكَانَ. جوابيا يُقيم الرِّجَال الموسرون بأرضهم ... وَتَرْمِي القوى بالمفترين المراميا وَمَا هجروا أوطانهم عَن ملاحظ ... وَلَا كن حذاراً من شمات الأعاديا

<<  <   >  >>