وَرب هَذَا الْبَيْت {لَو صَحَّ عِنْدِي عصيانك، لأدبتك} ثمَّ قَالَ لي: أنصف هَذِه الْمَرْأَة {فَقلت: أوكل من يخاصمها عني} فَأبى عَليّ إِلَّا أَن أَتكَلّم. فَلَمَّا رَأَيْت صعوبة مقَامي، أعطيتهَا بدعواها، ونجوت بنفسي. أفيحسن عنْدك، يَا مولَايَ {أَن يركب مني قاضيك مثل هَذَا؟ ومكاني من خدمتك مَكَاني} قَالَ: فَتغير وَجه الْأَمِير مُحَمَّد، وَقَالَ لَهُ: يَا بدرون {اخْفِضْ عَلَيْك} فمحلك مني تعلمه؛ فسئلنا بِهِ حوائجك، نجبك إِلَيْهَا {مَا خلا مُعَارضَة القَاضِي فِي شَيْء من أَحْكَامه؛ فَإِن هَذَا بَاب قد أغلقناه؛ فَلَا نجيب إِلَيْهِ أحدا من أَبْنَائِنَا، وَلَا من إِخْوَاننَا، وَلَا من أَبنَاء عمنَا، فضلا عَن غَيرهم. وَالْقَاضِي أدرى بِمَا فعل} فَمسح بدرون عَيْنَيْهِ، وَانْصَرف. قَالَ القَاضِي أسلم: وَإِنَّمَا كَانَ يحْتَمل مثل هَذَا من أُولَئِكَ الْقُضَاة. وَأما أمثالنا نَحن فَلَا. وَصدق أسلم رَحمَه الله {فالقهر بالحكم لَا يحْتَمل فِي الْغَالِب، إِلَّا لمن تخلص نِيَّته فِي الْقَصْد بِهِ وَجه الله. وَمَا تسرع ملامة النَّاس إِلَّا لمن يتقيها ويتخوف عَاقِبَة أَمر أَهلهَا. وَسخط الله أكبر من ملامة الْخلق. ونسأل الله الْهِدَايَة والوقاية} وَكَثِيرًا مَا كَانَ ابْن أسود ينشد: تضحى على وَجل تمسى على وَجل ... بَين الْأَقَارِب وَالْجِيرَان والخؤل كل التُّرَاب وَلَا تعْمل لَهُم عملا ... فالشر أجمعه فِي ذَلِك الْعَمَل وَكَانَت فِيهِ دعابة تستحسن وتستظرف، مِنْهَا أَنه كَانَ يعلم شدَّة شَهْوَة إِبْرَاهِيم بن يزِيد فِي الصَّلَاة بِالنَّاسِ، وترشيحه نَفسه لَهَا؛ وتربصه بِهِ الدَّوَائِر ليثبت عَلَيْهَا. فَلم يشْعر سُلَيْمَان غَدَاة يَوْم من بعض الْجمع، وَقد أحب الدعة فِي بَيته، إِذْ اسْتَأْذن عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور. فَذهب إِلَى المداعبة بِهِ، وَقَالَ لغلامه: اخْرُج إِلَيْهِ متباكياً، وَأظْهر الإشفاق عَليّ، وَقل لَهُ: أَحسب مولَايَ فِي الْمَوْت {ثمَّ أدخلهُ} فَدخل، وَقد اضْطجع سُلَيْمَان، وسجى على نَفسه، وَجعل يتنفس تنفس الْهَالِك. فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ؛ ترجع واستغفر. ثمَّ خرج عَنهُ، فَمضى من فوره إِلَى هَاشم بن عبد الْعَزِيز قيم الدولة؛ فَعرفهُ حَال سُلَيْمَان وَأَنه يعالج الْمَوْت، وَمَا أَظُنهُ يبلغ وَقت صَلَاة الْجُمُعَة؛ وَإِن بلغ دماؤه،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute