للسنن، متصرفاً فِي علم الْإِعْرَاب ومعاني الشّعْر. استقضاه النَّاصِر؛ وَكَانَ آخر مَا ولاه قَضَاء إلبيرة، وقلده مَعَ الْقَضَاء أَمَانَة الكورة، وَالنَّظَر على عمالها؛ فَكَانُوا لَا يقدمُونَ وَلَا يؤخرون إِلَّا عَن أمره، وَلَا يظلم أحد فِي جَانب من جوانبها إِلَّا نَصره وَكَانَ مَعَه. ثمَّ نَقله مِنْهَا، فولاه قَضَاء الْجَمَاعَة بقرطبة فِي ذِي الْحجَّة سنة ٣٢٦. وَأقر مُحَمَّد بن أَيمن على الصَّلَاة، إِلَى أَن ضعف ابْن أَيمن، فاستعفى، فعفاه النَّاصِر لدين الله، وَجَمعهَا لِابْنِ أبي عِيسَى؛ فتولاها إِلَى أَن مَاتَ. وَكَانَ الْخَلِيفَة لَا يخليه، مَعَ قِيَامه لَهُ بِالْقضَاءِ، من تصريفه فِي مهمات أُمُوره، وإخراجه فِي السفارات إِلَى كبار الْأُمَرَاء، والأمانات إِلَى الثغور والأطراف للإشراف عَلَيْهَا، وللإعلام بمصالحها، والبنيان لحصونها، وترتيب مغازيها، وَإِدْخَال جيوشها إِلَى بلد الْحَرْب؛ وَرُبمَا أَقَامَهُ فِي ذَلِك مقَام أَصْحَاب السيوف من قواد جيوشه؛ فيغنى غناءهم بِحسن تَدْبيره، وصحيح ديانته، وصريح مناصحته. فاستخلف فِي خرجه من خرجاته الْفَقِيه ابْن زونان؛ فصلى جُمُعَة. ثمَّ كتب إِلَى الْخَلِيفَة عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد يَقُول: إِنَّه شيخ من شُيُوخ الْمُسلمين، وَمن أهل الْعلم فيهم، وَوَلَاؤُهُ أشرف الْوَلَاء، إِذْ كَانَ مولى لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {. فَكيف يكون مَعَ هَذَا مُخَالفا لِابْنِ أبي عِيسَى؟ وَهُوَ صبي فِي عدد وَلَده} يسْأَل أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يأنف لَهُ من هَذَا. فَأَعْرض الْخَلِيفَة عَنهُ؛ وَلم ير بِابْن أبي عِيسَى بديلاً. وَانْصَرف القَاضِي من وجهته مستعجلاً، وَقد اتَّصل بِهِ مَا كَانَ من ابْن زونان؛ فَأَضْرب عَنهُ، واستخلف غَيره. وَذكر ابْن مفرج أَن رجلا من أَصْحَاب ابْن أبي عِيسَى أَتَاهُ لَيْلًا، فَذكر لَهُ أَن فقيهين مشهورين يقدمان عَلَيْهِ فِي قصَّة سَمَّاهَا لَهُ بِشَهَادَة مدخولة. فَلَمَّا كَانَ من الْغَد، أَتَاهُ أَحدهمَا؛ فَأَعْرض عَنهُ القَاضِي، وَتَبَسم فِي وَجهه لَعَلَّه يقوم، فيكفى شَأْنه. فتمادى. وَلما رأى عزمه على أَدَاء الشَّهَادَة، تنَاول القَاضِي سحاءة بَين يَدَيْهِ؛ فَكتب فِيهَا، وطواها، وَأَلْقَاهَا فِي حجره. فَلَمَّا تصفحها، وجد مَكْتُوبًا فِيهَا: أَتَتْنِي عَنْك أَخْبَار ... لَهَا فِي الْقلب آثَار فدع مَا قد أتيت بِهِ ... فَفِيهِ الْعَار وَالنَّار فَلم يكد يَقْرَأها حَتَّى قَامَ مُنْطَلقًا، ولقى صَاحبه؛ فَقَالَ لَهُ: النجَاة {فقد شعر بِنَا}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute