فِي المدمن عَلَيْهِ التَّغْلِيظ بالفضيحة، وَالطّواف، والسجن. وَاخْتلفُوا فِي الْمَرِيض الَّذِي لَا يرحى بُرْؤُهُ: فمذهب مَالك والكوفيين وَجُمْهُور الْعلمَاء أَنه لَا يجْرِي فِيهِ إِلَّا مَا يجْرِي فِي الصَّحِيح، وَيتْرك حَتَّى يبرأ أَو يَمُوت. وَقَالَ الشَّافِعِي: يضْرب بمثكول نخل يصل جَمِيع شماريخه إِلَيْهِ، أَو مَا يقوم مقَامه. وَالْمذهب إِلْزَام السَّكْرَان جَمِيع أَحْكَام الصَّحِيح، لِأَنَّهُ أَدخل ذَلِك على نَفسه وَهُوَ حَقِيقَة مَذْهَب الشَّافِعِي وَفرق بَين الشَّارِب مُخْتَارًا وَبَين المستكره. وَأكْثر الْعلمَاء ذهب إِلَى أَن الْحُدُود كَفَّارَة؛ وَمِنْهُم من وقف، وَاحْتج بقوله تَعَالَى " لَهُم فِي الدُّنْيَا خزي وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم. " وَفِي حَدِيث مَا عز الثَّابِت فِي الصَّحِيح، مَا يدل على أَن التَّوْبَة لَا تسْقط حد الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَالْخمر، وَإِنَّمَا تَنْفَع عِنْد الله. وروى عَن الشَّافِعِي أَن التَّوْبَة حد الْخمر. وعَلى كل تَقْدِير، فَمن الْوَاجِب على من وَقع فِي مَعْصِيّة، وترتب بِسَبَبِهَا قبله حق لله وَالنَّاس، من دم، أَو مَال، أَو عرض، أَو انتهاك حُرْمَة، أَن يُبَادر أَولا إِلَى التَّوْبَة، ثمَّ يرجع بعْدهَا إِلَى الإقادة من نَفسه لِلْخلقِ، والتحلل من التَّبعَات بِجهْدِهِ، على الْوُجُوه المقررة فِي الفقهيات، وَأَن يكثر مَعَ ذَلِك مُدَّة حَيَاته من الْعَمَل الصَّالح وَمن الدُّعَاء والبكاء، وبخصوص فِيمَا يرجع إِلَى الدِّمَاء. فالمنقول عَن مَالك. وَقد سُئِلَ عَمَّن كتب إِلَيْهِ والٍ فِي قتل رجل، فَقتله، ثمَّ أَرَادَ التنصل وَالتَّوْبَة، فَعرض نَفسه على أَوْلِيَاء الْمَقْتُول، وَأخْبرهمْ، فَقَالُوا: لسنا بقاتليك {إِنَّا نَخَاف إِن قتلناك عَاقِبَة ذَلِك} وَعرض عَلَيْهِم الدِّيَة، فَأَبَوا أَن يقبلوها؛ فَكَانَ من جَوَابه رَضِي الله عَنهُ {أَن قَالَ: أحب إِلَيّ أَن يُؤدى دِيَته إِلَيْهِم، وَأَن يعْتق الرّقاب، وَيتَصَدَّق، ويكرر الْحَج والغزو، وَإِن اسْتَطَاعَ أَن يلْحق بالثغور، وَيكون فِيهَا أبدا حَتَّى يَمُوت، فَهُوَ أحب إِلَيّ} وَفِي الحَدِيث: " أقيلوا ذَوي الهئيات عثارهم " وَالْمرَاد بذلك أهل الْمَرْوَة وَالصَّلَاح. ويبينه مَا روى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قَالَ: تجافوا عَن عُقُوبَة ذَوي الْمَرْوَة وَالصَّلَاح} والمأمورون بالتجافي عَن زلات ذَوي الهئيات عِنْد الْعلمَاء هم الْأَئِمَّة الَّذين إِلَيْهِم إِقَامَة الْعُقُوبَات على ذَوي الْجِنَايَات. وَالْإِقَالَة هِيَ فِيمَا عدا الْحُدُود والزلات الَّتِي أَمر بالتجافي عَنْهَا، هِيَ مَا لم يخرج بهَا فاعلها من أَن يكون من ذَوي المروءات
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute