للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَيْسَ عَن أَحدهمَا مصرف، وَلَا بَينهمَا موقف، فَحق لمن أَرَادَ النجَاة أَن يستكثر من الْحَسَنَات، وَيمْنَع دينه مِمَّن أَرَادَ أَن يؤنسه فِي الشُّبُهَات، وَيعلم أَنه حَاكم فِي ظَاهره، مَحْكُوم عَلَيْهِ فِي بَاطِنه، تطوى كل يَوْم صَحِيفَته على مَا أودعها، حَتَّى ينظر فِيهَا غَدا بَين يَدي الله عز وَجهه {" يَوْم توفى كل نفس مَا كسبت وهم لَا يظْلمُونَ} " فَمن حاسب نَفسه فِي الدُّنْيَا، كَانَ أيسر حسابا فِي الْآخِرَة. وَأمره أَن يتحفظ فِي حِين وُقُوع الشَّهَادَات عِنْده؛ فَلَا يقْضِي بَين الْمُسلمين مِنْهَا إِلَّا بِمَا أَقَامَهُ بِهِ التَّحْقِيق على أَلْسِنَة الْعُدُول، ذَوي الْقبُول، وَإِن استراب فِي شَهَادَة أحدهم وقتا مَا، أَن يبْحَث عَنْهَا، فَإِن ثَبت أَنه ارتشى، أَو شهد بالهوى، فَعَلَيهِ أَن يسْقط شَهَادَته، ويخل عَدَالَته، وتنكيلاً لَهُ، وتشديداً لمن خَلفه، وَأَن يحمل على النَّاس معاريض الوكلاء على الْخُصُومَات، ويطرح أهل اللدد الظَّاهِر مِنْهُم، وَلَا يحمل فضل حجاجهم عَمَّن لَا يقوم بهم. وَأمره أَن يحترس بأموال الْيَتَامَى، وَلَا يولي عَلَيْهِم إِلَّا أهل العفاف عَنْهَا وَحسن النّظر فِيهَا؛ وَأَن يجدد الْكَشْف والامتحان عَن أَمْوَال النَّاس والأحباس واليتامى، وَيمْنَع من قبالتها إِلَّا على وجوهها مِمَّا لَا بُد مِنْهُ من التَّنْفِيذ فِيهَا، وَطلب الزِّيَادَة عِنْد ذَوي الرَّغْبَة فِي قبالتها. وَأمره أَن يختبر كَاتبه وحاجبه وخدمته، ويتفقد عَلَيْهِم أَحْوَالهم إِذا غَابُوا عَن بَصَره. وَأمره أَن لَا يعجل فِي أَحْكَامه؛ فَمن الْعجل، لَا يُؤمن الزلل؛ وَأَن يرفع إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أشكل عَلَيْهِ الْفَصْل فِيهِ، ليصدر إِلَيْهِ من رَأْيه مَا يعْتَمد عَلَيْهِ، إِن شَاءَ الله {وَالله يسْأَل أَمِير الْمُؤمنِينَ التَّوْفِيق بمنه وفضله} وَكتب يَوْم الْإِثْنَيْنِ، لِلنِّصْفِ من شعْبَان سنة ٣٥٣. وَلما استمرت أَيَّام ولَايَة أبي بكر بن السَّلِيم، عَمَدت النَّاس سيرته، واطمأنوا إِلَى عدله، وَلم يعبه مِنْهُم عائب، إِلَّا من طَرِيق البطء بِقَضَائِهِ، والتطويل فِي أَحْكَامه. وَكَانَ كثيرا مَا يفعل ذَلِك فِيمَا يتلبس عَلَيْهِ، ويحتذي طَرِيق أَحْمد بن بَقِي القَاضِي؛ فَكَانَ رُبمَا أفشى لومه

<<  <   >  >>