للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَى خلاف ذَلِك، وَقَالُوا: إِنَّمَا لم يقْض بِعِلْمِهِ، دون بَيِّنَة، لِأَن فِيهِ تَعْرِيض نَفسه للتهم، وإيقاعها فِي الظنون. وَقد كره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الظَّن. قَالَ القَاضِي أَبُو الْأَصْبَغ بن سهل: وَهَذَا عِنْدِي الْقيَاس الصَّحِيح المطرد لمن قَالَ: لَا يقْضِي القَاضِي بِعِلْمِهِ، وَلَا بِمَا سمع فِي مجْلِس نظره، لَكِن الَّذِي قَالَه أَبُو إِبْرَاهِيم وَابْن الْعَطَّار، وَجرى بِهِ الْعَمَل، وَهُوَ عِنْدِي الِاسْتِحْسَان، ويعضده قَول مطرف، وَابْن الْمَاجشون، وَأصبغ فِي كتاب ابْن حبيب، أَن القَاضِي يقْضِي على من أقرّ عِنْده فِي مجْلِس نظره، بِمَا سمع مِنْهُم، وَإِن لم تحضره بَيِّنَة. وَقَالَهُ ابْن الْمَاجشون فِي الْمَجْمُوعَة، وَبِه أَخذ أَبُو سعيد سَحْنُون بن سعيد، وَقَالَهُ أصبغ فِي كِتَابه؛ وَهُوَ ظَاهر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم} : " إِنَّمَا أَنا بشر، وَإِنَّكُمْ تخصمون إِلَيّ {فَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض؛ فأقضي لَهُ على نَحْو مَا أسمع مِنْهُ " الحَدِيث. وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام} : " إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ وَإِنَّكُمْ تختصمون إِلَيّ {" مَعْنَاهُ حصره فِي البشرية بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاطِّلَاع على بواطن الْخُصُوم، لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى كل شَيْء؛ فَإِن للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم} وَصَايَا كَثِيرَة. فللقاضي، على مَا تقرر فِي الْمَسْأَلَة من كَلَام ابْن سهل وَغَيره، أَن يقْضِي بِمَا صَحَّ عِنْده وسَمعه من أَمر الْخَصْمَيْنِ، وَأَن لَهُ أَن ينفذ ذَلِك بَينهمَا، ويمضيه من نظره وَحكمه. قَالَ مَالك: وَإِذا قضى بِمَا اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ، فَحكمه نَافِذ. وللحاكم الْمُجْتَهد أَن يتَخَيَّر عَن الِاخْتِلَاف عَلَيْهِ، وَأَن يَأْخُذ بِمَا يرَاهُ أحوط لدينِهِ وَعرضه. قَالَ: وَإِن لم يكن على مَا قضى بِهِ مَذْهَب الْعلمَاء بذلك الْموضع، فَلَيْسَ لقاض بعده نقضه، وَلَا اعتراضه؛ وَإنَّهُ نَافِذ تَامّ؛ وَإِن ظهر لَهُ فِي نَفسه أَن قَول غير من أَخذ بقوله خير مِمَّا أَخذ بِهِ، كَانَ لَهُ نقضه هُوَ خَاصَّة، وَلم يكن ذَلِك لأحد بعده. وَفِي كتاب الْأَقْضِيَة من الْمُدَوَّنَة: إِذا تبين للْقَاضِي أَن الْحق فِي غير مَا قضى بِهِ، رَجَعَ عِنْده؛ وَإِنَّمَا لَا يرجع بِهِ فِيمَا قَضَت بِهِ الْقُضَاة مِمَّا اخْتلف فِيهِ. قَالَ صَاحب التَّنْبِيهَات: حمل أَكْثَرهم مذْهبه فِي الْكتاب على أَن الرُّجُوع لَهُ، كَيفَ كَانَ حَاله من وهم أَو انْتِقَال رأى، وَهُوَ قَول مطرف وَعبد الْملك. وَوَقع فِي منتخب ابْن مغيث: وتنقسم أَحْكَام الْقُضَاة، على مَذْهَب مَالك وَجَمِيع أَصْحَابه، على ثَلَاثَة أَقسَام: أَحدهمَا فِي الحكم الْعدْل الْعَالم: فأحكامه كلهَا نَافِذَة على الْجَوَاز،

<<  <   >  >>