قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {: لَا يجْتَمع كَافِر وقاتله فِي النَّار أبدا} وَاسْتشْهدَ رَحمَه الله فِي غَزْوَة جربيرة الْمَشْهُورَة، فِي جملَة من اسْتشْهد من الْمُسلمين؛ وَكَانُوا نَحْو ثمانمائه فَارس: قتل فيهم رُؤَسَاء الْعَسْكَر، مثل يحيى بن مطرف، وقاسم بن مَنْصُور، وَالْكثير من وُجُوه النَّاس. ثمَّ نصر الله جنده وَعَسْكَره؛ فَحسن الظَّن وحقق الرَّجَاء، ومنح عبَادَة الظفر، بعد الْيَأْس مِنْهُ. قَالَ أَحْمد بن سعيد: وَذَلِكَ بِرَأْي رأه الْمَنْصُور بن أبي عَامر. وَهُوَ أَن عهد وشدد فِي نقل الْمحلة إِلَى ربوة مشرفة، أشرف مِنْهَا على جَمِيع النَّصَارَى؛ فَلَمَّا رأى النَّاس شخصه فِي أَعْلَاهَا، وَعَلمُوا مَكَانَهُ، رجحوا ظنونهم، مَعَ مَا ألْقى الله تَعَالَى فِي قُلُوب الرّوم من الرعب، وَأَن الْمُسلمين فِي قُوَّة، والمدد يَأْتِيهم، والأجناد تتكافل عَلَيْهِم؛ فَانْهَزَمُوا وَتَفَرَّقُوا؛ وتبعهم الْمُسلمُونَ نَحْو عشرَة أَمْيَال، واستولوا على محلتهم. وَعند ذَلِك كتب الْمَنْصُور كِتَابه الْمَشْهُور إِلَى من فرَّ عَنهُ من جنود، يوبخهم. وَمن فصوله مَا نَصه: وَكَثِيرًا مَا فرط من قَوْلكُم، وَسبق من عزمهم، إِنَّكُم تجهلون قتال المعاقل والحصون، وتشتاقون ملاقاة الرِّجَال على العجول. فحين جَاءَكُم شانجه بالأمنية، وقاتلكم بالشرطية، وَظَهَرت لكم رعلة الطَّائِفَة النَّصْرَانِيَّة، أنكرتم مَا عَرَفْتُمْ، ونفرتم مَا ألفتم، حَتَّى فررتم فرار اليعافير من آساد الغيل، وأجفلتم إجفال الرئال عَن المقتنصين {فألحقتم الْعَار بِأَنْفُسِكُمْ، بعد اخْتِيَاري لكم؛ وطرقتم الشَّرّ على أَعْنَاقكُم، وضيعتم حرماتكم، وأحضرتم ذمتكم؛ فَلَا نعمتي رعيتم، وَلَا تزييني حفظتم، وَلَا وُجُوهكُم أبقيتم، وَلَا غضب الله وَرَسُوله أتقيتم} فقد قَالَ الله عز وَجل: " يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا {إِذا لَقِيتُم فِئَة، فاثبتوا واذْكُرُوا الله كثيرا؛ لَعَلَّكُمْ تفلحون} " وَقَالَ: " وَمن يولهم يَوْمئِذٍ دبره إِلَّا متحرفاً لقِتَال، أَو متحيزاً إِلَى فِئَة، فقد بَاء بغضب من الله؛ ومأواه جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير {" فَفِيمَ وَلم كَانَ انحيازكم، أشكاً فِي وعد ربكُم؟ أم خوراً فِي أصل طبعكم؟ أم عَجزا عَن دفع باطلهم بحقكم؟ مَا كَانَ إِلَّا لسفه أحلامكم وَسُوء نظركم فِي عَاقِبَة أُمُوركُم} يَا أَحْلَام الْأَطْفَال، وأخلاق الرِّجَال! أنجوتم إِلَى دَار الفناء، الَّتِي لَا تَنْقَطِع همومها
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute