للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش] ، كما وضع هاشم نظامًا لتأمين مرور القوافل بين القبائل العربية، وذلك بإشراك زعماء القبائل في قوافله؛ فيحمل لهم بضائعهم دون أن يتحملوا في نقلها شيئًا١, وبذلك اتسعت تجارة قريش وعظمت ثروتها وأصبح هاشم بن عبد مناف زعيمًا لمكة كلها، وإن لم تجتمع له كل المناصب كما كان الحال عند جده قصي. لكن موته المبكر٢ حرم مكة من جهود هذا الزعيم المفكر النشيط، وقام إخوته من بعده على تدعيم تجارة مكة الخارجية؛ لكنه لم يكن لأحدهم من المكانة ما كان لهاشم.

وبدأت تظهر شخصيات أخرى في البطون القرشية لم تبلغ منزلة أحدهم مكانة الزعامة المطلقة، وترتب على ذلك أن برزت قوة الملأ في قريش، وهو مجلس القبيلة المكون من زعماء العشائر وأتيحت الفرصة لظهور رجال متعددين كانت تقوم العلاقة بينهم على أساس التكافؤ, وكانوا يشاركون جميعًا في إدارة شئون مكة.

وكان أبرز هؤلاء الزعماء في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي هو عبد المطلب بن هاشم. ولم يكن عبد المطلب في منزلة أبيه؛ وإنما كان أحد هؤلاء الرجال النظراء الأكفاء الذين حفل بهم ملأ مكة في هذه الفترة، وكان أكبر عمل أظهر شخصية عبد المطلب هو إعادته حفر بئر زمزم التي كانت قد غاضت مياهها وطمست في أواخر أيام جرهم٣, وقد يسر حفر زمزم مهمة السقاية التي كان يقوم عليها عبد المطلب, كما رفع من مكانته الأدبية لما يحيط بزمزم من تعظيم على أنها بئر إسماعيل المبارك الذي فجره الله له، وفي أيام عبد المطلب وقع الغزو الحبشي على مكة، وقد حاول عبد المطلب أن يرد الغزاة عن مكة عن طريق المفاوضة ولم يفلح ٤، كما لم يفلح في تعبئة قريش لقتال الأحباش٥؛ لأن قوة جيشهم وما أتوا به من عدة وسلاح وما كان معهم من الفيلة التي لا عهد للعرب بقتالها أفظعتهم فهبطت همتهم وبخاصة بعد ما علموا بما أصاب القبائل التي تصدت لهم من هزيمة٦. وتقول الروايات: إن


١ ابن سعد ١/ ٥٨. اليعقوبي ١/ ٢٠٢. ودلي: الرسول ص ٣٥- ٣٨.
٢ ابن الأثير ٢/ ١٠.
٣ ابن هشام ١/ ١٥٤- ١٥٨. اليعقوبي ١٢٧.
٤ ابن هشام ١/ ٥١.
٥ اليعقوبي ١/ ٢٠٩-٢١٠.
٦ ابن هشام ١/ ٤٩.

<<  <   >  >>