حين عاد المسلمون من حمراء الأسد إلى المدينة، وجدوها قد تنكر كثير من أمرها، وإن بقى سلطان النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها السلطان الأعلى، فلقد رفع كثير من اليهود والمنافقين رءوسهم ضاحكين شامتين بالمسلمين، ثم تجرءوا فأخذوا يدبرون المكائد ويحيكون المؤمرات، حتى لقد تطور الأمر إلى حَبك مؤامرة لقتل النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه، وكان من نتيجتها أن حاصر النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى قبائل اليهود وهم بنو النضير وأخرجهم من المدينة.
كذلك بدأت القبائل العربية تتحرش بالمسلمين وتكيد لهم، وتجرأت فاستدرجت بعض رجالهم وقتلتهم أو باعتهم لقريش. وأخذت بعض القبائل تتجمع للإغارة على المدينة، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان دائم الحذر يحرص دائمًا على أن يعرف من أخبار القبائل ما يمكنه من تدبير أمره، لإقرار هيبة الدولة في نفوس هؤلاء البدو، وكان لا يترك فرصة لهم للتجمع لغزوه ومهاجمته، بل كان يقظًا سريع الحركة، ما يكاد يسمع بتجمع أعدائه حتى يفجأهم قبل أن يستكملوا أمرهم، فيشتت شملهم ويلقي الرعب في قلوبهم،