لم تكن بلاد العرب قبل ظهور الإسلام دولة عربية بالمعنى الذي نفهمه الآن من الدولة، فإن الدولة State من حيث هي نظام منفصل عن الجماعة ومستقل عنها في وظيفته؛ ومن حيث إن لهذا النظام سلطانًا يخضع له الناس، لم يكن موجودًا في بلاد العرب. وإنما كانت الدولة عندهم هي الجماعة في جملتها، ولم تكن هيئة لها نظامها الخاص ولا كانت لها أرض محددة، فليس هناك موظفون يدبرون شئون الجماعة بالمعنى الذي نعرفه في الدولة، بل كان هناك كيان اجتماعي طبيعي بالغ درجة النماء عرف باسم القبيلة يقوم فيه رؤساء العشائر والبطون برعاية شئون الجماعة، ويذكر الرحالة دوتي Daughly أنه رأى في أهل البادية في هذا القرن العشرين من لا يصور الدولة إلا على أنها قبيلة ويقيس قوتها بما تملك من الإبل١.
وكذلك الحال بالنسبة للمدن، فلم تكن المدينة Polis هي الوحدة السياسية كما كان الحال عند اليونان. بل كانت القبيلة هي هذه الوحدة مثل قريش في مكة وثقيف في الطائف، وقد جرى عرف العرب على الانتساب إلى القبائل لا إلى المدن، بل لم يعرف الانتساب إلى المدن إلا في القرن الثاني للهجرة.
أما مفهوم الأمة عندهم، فلم تكن تتميز عن الأسرة إلا أنها أكبر، وكانت اللُّحمة التي تؤلف بين أفرادها هي نفس اللحمة التي تربط بين أفراد الأسرة ونعني لُحمة الدم، فكانت وحدة الجماعة تقوم على تقديس الدم، وعلى تقديس هذه اللحمة تقديسًا تلقائيًّا دون حاجة إلى قوة من خارج تقهر الجماعة على التماسك، وكان الاشتراك في النسب،