لقد كان يعادي محمدٌ قوتين كبيرتين تلتف حولهما كل القوى في شبه جزيرة العرب، فأما القوة الأولى فهي قريش في مكة، بما لها من نفوذ أدبي ومادي، وأما القوة الثانية فهي قوة اليهود بما لها من نفوذ وذكاء وقدرة على الدس والوقيعة، وقد اتحدت مصالح القوتين على حربه والقضاء عليه. وقد استطاع محمد أن يثبت أمام القوتين وأن يخرج من حربه معهما -مجتمعينِ- قويًّا، حتى لقد أصبح زمام المبادأة في يده، وقد استطاع ببعد نظره، وحسن سياسته، وما أظهر من مرونة وكياسة أن يعقد مع قريش عهد الحديبية، فأمِن به قريشًا وأمن الجنوب كله؛ لكنه لم يأمن من ناحية الشمال، حيث تجمعت فلول اليهود في خيبر، وأخذت تسعى لتأليف كتلة يهودية منهم، ومن يهود وادي القرى وتيماء لغزو يثرب، وإذا كان اليهود قد استطاعوا تأليف الأحزاب حتى ساقوا لحرب المدينة عشرة آلاف مقاتل في غزوة الخندق؛ فليس ببعيد عليهم ولا ممتنع أن يستعينوا بقبائل الشمال، أو أن يستعينوا بقوى خارجية فارسية أورومية لضرب المسلمين ضربة ساحقة نهائية. واليهود أشد من قريش عداوة لمحمد؛ لأنهم أحرص على دينهم من قريش، ولأنهم أكثر منها مكرًا ودسيسة، وليس من اليسير أن يوادعهم محمد بصلح كصلح الحديبية ولا أن يطمئن إليهم، وقد سبقت بينهم خصومات لم ينتصروا في إحداها؛ فما أجدرهم أن يثأروا لأنفسهم إذا وجدوا فرصة مناسبة أو استطاعوا أن يستعينوا بقوى خارجية. وإذن فلا بد من القضاء على قوة اليهود قضاء أخيرًا حتى لا تقوم لهم من بعد قائمة ببلاد العرب، ولابد من أن يسارع محمد إلى ذلك، حتى لا يتاح لهم الوقت للاستعانة بغطفان أو بغيرها من القبائل المعادية لمحمد والموالية لهم. وكذلك