للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موقعة أحد سنة ٣هـ:

بدت الحالة الداخلية هادئة في المدينة بعد النصر الذي أحرزه المسلمون في بدر، وبعد إجلائهم بني قينقاع، وانكمشت الطوائف الأخرى من غير المسلمين، وخفتت أصوات المعارضة، بعد مقتل المحرضين على المسلمين من اليهود، وفزع اليهود وذلوا بعد أن أهدر النبي -صلى الله عليه وسلم- دماء كل من تحدثه نفسه بالفتنة منهم١. وكان من الممكن أن يستمر هذا الهدوء فترة طويلة لولا أن أبا سفيان بمكة لم يطق صبرًا على عار بدر. ولم يطق أن يظل قابعًا في مكة دون أن يعيد إلى أذهان العرب أن قريشًا لا تزال لها قدرتها على الضرب والغزو؛ لذلك ما لبث بعد شهر أن جمع مائتين من رجال مكة وخرج بهم مستخفين، حتى إذا ما وصلوا منطقة المدينة ليلًا نزل على بني النضير في حصن زعيمهم سلام بن مشكم حيث قراه وسقاه وبطن له من خبر الناس ثم خرج في عقب ليلته هذه، فأغاروا على ناحية العريض فحرقوا بها بيتين ونخلًا ووجدوا رجلًا من الأنصار وحليفًا له يعملان في حرث لهما فقتلوهما، ثم انصرفوا راجعين٢. وندب النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه فخرجوا في أثر أبي سفيان حتى بلغ قرقرة الكدر على نحو أربعة وعشرين ميلًا من المدينة ٣، وأبو سفيان ومن معه جادون في الفرار يتزايد خوفهم فيلقون ما يحملون من زادهم من السويق، فإذا مر به المسلمون أخذوه، ولذلك سميت هذه الغزوة غزوة السويق٤، وقد انقلب فرار أبي سفيان عليه بعد أن كان يحسب أن الغزوة ترفع من شأن قريش بعد مصاب بدر.

أما القبائل المحيطة بالمدينة وبخاصة التي تنتشر على جانبي طريق التجارة فقد بدأت ترى ما يتهدد مصالحها من تزايد قوة المسلمين، ومن تعادل هذه القوة وقوة مكة تعادلًا تخشى نتائجه؛ فقد أصبح طريق الشاطئ وهو الطريق المعبد المعروف مهددًا،


١ ابن هشام ٢/ ٤٤١.
٢ قراه: ضيَّفه، بطن له من خبر الناس: أعلمه من سرهم، ابن هشام ٢/ ٤٢٢.
٣ ياقوت ٦٦/ ٤٤١.
٤ ابن هشام ٢/ ٤٢٢، ٤٢٣.

<<  <   >  >>