للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدعوة إلى الإسلام ومسايرة التنظيم العربي]

كانت الدعوة سرية في أول الأمر، وظلت كذلك ثلاث سنين، ثم أصبحت بعد ذلك علنية، وكانت في أول أمرها مقصورة على عشيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- الأقربين١ {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين} [الشعراء] ثم اتجهت إلى الدعوة العامة. والحقيقة أنه لا يوجد فارق حقيقي بين الدعوة السرية والعلنية، فإن طبائع الأشياء لا تكاد تقبل هذا التصوير، فإن رسالة النبي انتشرت منذ البدء وبلغت أهله الأقربين ثم أصدقاءه، وظل الأصدقاء يكتسبون أصدقاءهم، واتسعت الدائرة شيئًا فشيئًا حتى أصبحت الدعوة عامة علنية. وكانت مهمة النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة هي إبلاغ القرآن وتعليمه وتحفيظه، وإمداد المؤمنين بالصبر والاحتفاظ باليقين والصمود للفتنة٢ والسعي لنشر التعاليم الجديدة في المواسم عند اجتماع الناس، والدعوة لها ٣، والقرآن الكريم الذي نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الفترة مليء بالدعوة لهذه المبادئ، متعدد النواحي في تبيانها، داعي العقول إلى التفكير فيها واستنباطها، ضارب الأمثلة لها، محذر من عاقبة جحودها والوقوف في وجهها، في أسلوب رائع أخاذ، يأخذ بمجامع القلوب وينفذ إلى أقصى أغوار النفس.

وقد سايرت الرسالة في ظروف الدعوة إليها، ظروف التكوين العربي: فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو عشيرته الأقربين؛ لأنهم بحكم عصبية القرابة والرحم سيقفون إلى


١ الشعراء ٢١٤- ٢١٦، ابن هشام ١/ ٢٧٤، الطبري ١/ ٦١.
٢ ابن هشام ١/ ٣٤٢، اليعقوبي ٢/ ٢٠.
٣ ابن هشام ٢/ ٣١-٣٧، الطبري ٢/ ٨٣.

<<  <   >  >>