جانبه ويؤازرونه ويكونون عونًا له وحماية في وجه العصبيات الأخرى، ثم أمر بعد ذلك أن يدعو مكة {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}[الشورى] وحين نقول مكة نعني بذلك قبيلة قريش؛ فإنها كانت هي الأصل في أهل مكة ومن معها من الناس موال لها أو أتباع. فالانتقال من عصبية العشيرة إلى عصيبة القبيلة أمر جرى عليه التكوين الاجتماعي عند العرب، ثم أمر أن يدعو من حول مكة من قبائل، أي أن ينتقل إلى عصبية التحالف القبلي وعصبية الشعب، وكان من المنتظر أن تؤمن به العشيرة ثم القبيلة، لكن الذي حدث كان غير ذلك، فإن هذه العصبية الرحمية والقبلية قد وقفت في طريقها عصبية أخرى هي عصبية التقاليد والعادات القديمة، وكان الناس في ذلك الوقت يتعصبون تعصبًا شديدًا لموروث عاداتهم وتقاليد آبائهم، ويرونها دينًا من أمر الله {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا}[الأعراف] فكانت هذه العصبية للعادات والتقاليد حائلًا بين الناس وبين متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحتى بني هاشم بالرغم من وقوفهم إلى جانب النبي -صلى الله عليه وسلم- وحمايته بدافع عصبية العشيرة لم يؤمنوا به وغلبتهم عصبية التقاليد على أنفسهم.
وشيء آخر غير العصبية منع قريشًا من متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو حرصها على منزلتها بين العرب، وكانت تخشى أن تذهب الرسالة الجديدة بمكانتها التي وصلت إليها طريق رياستها للدين الوثني ورعايتها للتقاليد العربية. ثم كان زعماء مكة حريصين على مبدأ التناظر بينهم كزعماء، فقد كان يحكم مكة رؤساء العشائر والبطون ويتكون منهم ما عرف بالملأ وهو مجلس الرياسة في قريش، وكان رجال الملأ حريصين على ألا يسودهم أحد ويرون التكافؤ بينهم، فالصفات العامة في أحدهم من الممكن أن ينالها كلهم، أما أن يكون واحد نبيًّا فهذا أمر ليس بمدرك لعامتهم وعند ذلك تكتب له الزعامة بلا منازع، ويرون أنفسهم مضطرين للخضوع له ومتابعته١، ومن أجل ذلك عارضوا محمدًا ونفسوا عليه مقام الزعامة الذي توصله له الرسالة. وكانت معارضة قريش مركزة في رجال الملأ وتابعهم عامة الناس.