للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الربا]

كان الربا مظهرًا من مظاهر الحركة الاقتصادية والتجارية، وكان أهل مكة -كما كان أهل الحجاز واليهود- يعولون عليه كثيرًا في تنمية ثرواتهم، وكان الربا أحيانًا يبلغ أضعاف القرض نفسه١، فتؤكل بذلك أموال المدين وتذهب حقوق الأفراد. وفي القرآن آيات كثيرة يستلهم منها أن الربا كان راسخًا رسوخًا شديدًا، وأنه كان جزءًا من الحياة الاقتصادية وبخاصة عند التجار وأهل المدن، وإذا كانت معظم الآيات التي نزلت بشأن الربا نزلت بعد هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يثرب وقيام الدولة الإسلامية بها٢؛ إلا أن بعضها نزل بمكة أو بعد فتحها٣ مما يدل على أنها كانت موجهة إلى المكيين، وأن الربا كان أمرًا شائعًا عامًّا٤. وقد أعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع سنة ١٠ هـ إسقاط ربا عمه العباس وكان من أغنياء مكة وتجارها، وتحمل آيتان من سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة] إنذارًا شديدًا لمن يزاولون الربا، مما يدل على رسوخ قدم الربا، وعلى أنه كان يشغل حيزًا كبيرًا من حياة المدن الحجازية الاقتصادية، وأنه لم يكن من السهل القضاء عليه، مما استلزم قوة الإنذار وإعلان الحرب من الله ورسوله.


١ اليعقوبي ٢/ ١٠.
٢ انظر سورة ِآل عمران ١٣٠، النساء ١٦٠- ١٦١.
٣ انظر سورة الروم ٣٩.
٤ انظر سورة البقرة ٢٧٥، ٢٧٨- ٢٧٩، ابن هشام ٢/ ١٢.

<<  <   >  >>