أدى هذا الصراع المسلح بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وقريش إلى نتائج مهمة، فلقد ضعفت جبهة مكة ضعفًا ظاهرًا بعد أن استنفذت كل إمكانياتها الحربية والسياسية، وأصبحت تجارتها في حكم المتوقفة، فلحقتها لذلك أضرار مادية جسيمة، كما أن القبائل العربية بدأت تراجع موقفها بالنسبة لاستمرار تحالفها مع قريش أو التقرب للقوة الجديدة التي ظهرت في يثرب والتي استطاعت حتى الآن أن تصمد لخصومها، وأن توقع بهم الهزائم وتحول الموقف إلى جانبها.
أما جبهة المدينة فقد ازدادت قوة وخصوصًا بعد أن أجلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قبائل اليهود أو قضى عليها، كما أن النفاق قد ضعف ولم يعد يسبب للنبي -صلى الله عليه وسلم- قلقًا، كذلك تحسنت الحالة الاقتصادية عند المسلمين بعد أن وضعوا أيديهم على أراضي اليهود في يثرب وبعد ما غنموه من غنائمَ ثم إن خطر العدو لم يعد مباشرًا بالنسبة للمدينة، فقد انحسرت القوة عن خصومها وقبعوا في معكسرين: أحدهما في الجنوب وهو معكسر قريش في مكة، والآخر في الشمال وهو معكسر اليهود في خيبر، ولم يعد من اليسير قيام الاتصال بين هذين المعسكرين والتعاون بينهما مرة أخرى بعد تراجع الأحزاب عن يثرب.
غير أن هذا الصراع وإن كان قد أدى إلى تفوق يثرب وإضعاف قوة خصومها، إلا أنه شغل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التفرغ لنشر دعوته، كما أنه حال بينها وبين التغلغل في القبائل العربية، وبخاصة تلك التي شاركت في الصراع، فإن الحرب بطبيعتها تثير الحفيظة وتزكي التعصب في النفوس وتمنع من التفكير الهادئ السليم، وفي مثل جو الحرب لا تنشر المبادئ، ولذلك نزل القرآن يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- باللين والصبر واستعمال الحكمة والموعظة الحسنة:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل: ١٢٥] والدعوة بالحسنى وتهيئة جو السلم والطمأنينة هو سبيل أصحاب الرسالات والدعوات والإصلاح في كل زمان ومكان وهذا الجو هو الذي سعي إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الذي التزمه طيلة الدور المكي من حياة الرسالة، وهو حين دخل الحرب بعد هجرته دخلها مضطرًّا، وألزم موقفها إلزامًا ومع ذلك فلم يفكر فيها