ولم يكد المسلمون ينتهون من هذه الأزمة حتى واجهوا أزمة أخرى أشد؛ فالأولى لم تكن تتطلب إلا شيئًا من الكياسة وحسن الرأي والوقوف على الحل الصحيح، أما الثانية وهي الردة فإنها كانت تتطلب إعداد الجيوش وتعبئة قوة المدينة الحربية والمعنوية، وفي أثناء هذه الأزمة ظهرت بطولة أبي بكر حتى كان ابنه محمد يقول مفاخرًا فيما بعد بأنه ابن فاقئ الردة وحتى قال بعض الناس: إنه لم ير أحدًا بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أملأ بالحرب من أبي بكر، والسبب المباشر في هذه الأزمة هو موت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد سبق إلى ظن الناس أنه لن يقوم مقامه أحد، وأن الفراغ الذي تركه أكبر من أن يسد، وأن النظام الجديد لا يمكن أن يدوم بعده، وأن الخطوة الجبارة التي خطاها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالعرب خطوةٌ كانت تحتاج إلى دوام صاحبها، ولهذا سارع العرب برغم إعجابها بالروح القومي الذي بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقلدت القبائل بعضها بعضًا، وانتشر الارتداد في كل مكان حتى لم تبق قبيلة إلا وفيها جماعة كبيرة مرتدة، وغالت بعض القبائل فأرادت أن يكون لها ما لقريش بمعنى أن يكون منها نبي كما كان من قريش نبي، وأن تجتمع إلى زعامتها كما اجتمعت إلى قريش، ولم يثبت على النظام الجديد إلا مثلث: المدينة