كثيرة، فبعد أن كان الأنصار يريدون أن يولوا واحدًا منهم، اقترحوا أن يكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير، ولو تم هذا الاقتراح لكان من الواجب أن يتولى الخلافة اثنان، إلا أن الثلاثة رفضوا هذا الرأي في كياسة ذاكرين للأنصار فضلهم، واقترحوا رأيًا جديدًا وسارعوا بأخذ الأصوات عليه -وهذا التعبير حديث بل الأصح أن نقول: سارعوا إلى أخذ البيعة عليه- وسارع الناس إلى مد أيديهم وإلى مبايعة أبي بكر، وكان هذا الحل كما أرجف بعض الناس حلًّا جاء عفوًا دون تدبير وأنه جاء فلتة، وكان من الممكن أن يفضي إلى فتنة إلا أن الله وقى شرها، ومهما تختلف المذاهب الإسلامية في أمر هذه البيعة وفي الحكم على الثلاثة الذين تداركوا الموقف، وفي الأنصار الذين أرادوا أن يستبدوا بالأمر؛ فإن السقيفة قررت أمر الخلافة تقريرًا نهائيًّا وأصبحت سابقة قابلة للتطبيق، وحرص الناس على أتباعها ولو من الوجهة الشكلية إلى أن زالت الخلافة.
وهذا الحل الذي سارع الناس إلى الرضاء به يدل على أنهم كانوا يسلمون ضمنًا بأن النظام الجديد واجب البقاء، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن مات فإنه خلف فيهم دينًا وكتابًا يسيرون على هديه، وأن من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، فرضاء الناس يومئذ يعبر عن إرادة الاستمرار في ظل النظام الذي أنشأه النبي -صلى الله عليه وسلم.